ووجه الاستدلال بهذا الحديث: هو اكتفاؤه بصلاتين عن باقي الصلوات الخمس.
قلت: وهذا غير صحيح، وإنما المقصود تأخير الصلاة عن وقتها، قال السندي: (قوله: «أشغل فيها» أي: فربما يؤدي ذاك إلى تأخيرها عن مواقيتها المندوبة. «بجوامع» يكون أداؤها في أحسن أوقاتها يغني عن أداء الكل في أحسن أوقاتها. قوله: «العصرين» أي: فأدِّهما في أحسن أوقاتهما، وأدّ البقية بالوجه المتيسر، فلا دلالة في الحديث على أن الصلاتين تكفيان عن الخمس) ا. هـ من «حاشية المسند» (31/ 370_ طبع دار الرسالة).
مع أن هذا الحديث ليس فيه تركها بالكلية، وأيضا وقع في الحديث اختلاف في إسناده، وفيه من ليس بالمشهور - على الرواية الراجحة -، وقد أنكر هذا الحديث الذهبي ([7]).
* * *
وأما من استدل بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي ?: «حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد مناشدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار، يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا، ويصلون، ويحجون، فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقا كثيرا، قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه، ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدا، ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا».
وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث، فاقرءوا إن شئتم: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}.
«فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط، قد عادوا حمما فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له: نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر، وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض»، فقالوا: يا رسول الله، كأنك كنت ترعى بالبادية؟ قال: «فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه، ثم يقول: ادخلوا الجنة، فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون: ربنا أعطيتنا ما لم تعط أحدا من العالمين، فيقول: لكم عندي أفضل من هذا، فيقولون: يا ربنا أي شيء أفضل من هذا؟! فيقول: رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبدا».
ووجه الشاهد من هذا الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: «فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط» وقوله: «هؤلاء عتقاء الله أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه» فعلى هذا لا يكون العمل لا بد منه في الإيمان.
وأقول – وبالله التوفيق -: في الجواب على ذلك:
1 - لا بد من الجمع بين نصوص الكتاب والسنة, وعدم أخذ بعضها وترك البعض الآخر, ولا شك أن بعضها يفسر البعض الآخر, وبعضها يتم البعض الآخر, والأدلة التي تقدم ذكرها - وهي كثيرة - تدل على أن العمل لا بد منه في الإيمان, وأن من لم يأت به يكفر, وهذه الأدلة محكمة؛ لأنها مفسرة وليست بمجملة, بينما هذا النص يحتاج إلى بعض التفسير في قوله عليه الصلاة والسلام: «بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه»، فقد يقول قائل: إن ظاهر هذا الحديث أن هؤلاء الذين يخرجون من النار لم يعملوا قط, لا أعمال اللسان - وأعظم ذلك: النطق بالشهادتين - ولا أعمال الجوارح, ولا يخص بأعمال الجوارح دون اللسان؛ لأن الحديث عام.
فيقال جوابا عن ذلك: إن النطق بالشهادتين دلت عليه أدلة أخرى فيخصص بها هذا الحديث, وهذا إجماع من المسلمين.
ويقال أيضا: إن أعمال الجوارح دلت عليها أدلة أخرى كثيرة, كما تقدم, وهذا مما يفسر به هذا النص.
¥