2 - وأيضا مما يفسر هذا النص حديث أبي هريرة وحديث جابر رضي الله عنهما, فأما حديث أبي هريرة وقد جاء هو وحديث أبي سعيد الخدري بإسناد واحد - الزهري عن عطاء بن يزيد عنهما - وهما حديث واحد, ولكن في أحدهما ما ليس في الآخر, فقد جاء في حديث أبي هريرة: «حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد, وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل النار, أمر الملائكة ([8]) أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن أراد الله أن يرحمه ممن يقول: لا إله إلا الله, فيعرفونهم في النار يعرفونهم بأثر السجود, تأكل النار من أذن آدم إلا أثر السجود, حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ... » أخرجه البخاري (806، 6573، 7467) ومسلم (182).
وأما حديث جابر فأخرجه مسلم (191) من طريق قيس بن سليم العنبري ثني يزيد الفقير ثنا جابر: قال رسول الله ?: «إن قوما يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات وجوههم، حتى يدخلون الجنة».
وقد أخرج مسلم قبله من طريق أبي الزبير عن جابر ولفظه: «ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتى يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتى ينبتوا نبات الشيء في السيل، ويذهب حُرَاقُه، ثم يسأل حتى تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها».
فحديث أبي هريرة وحديث جابر مما يفسر حديث أبي سعيد، وأن هؤلاء الذين يخرجون من النار ممن يصلون لأنهم يعرفون بآثار السجود و (دارات الوجه) هو موضع السجود, ولذلك قال محمد بن نصر في «الصلاة» (2/ 1009): (أفلا ترى أن تارك الصلاة ليس من أهل ملة الإسلام الذين يرجى لهم الخروج من النار ودخول الجنة بشفاعة الشافعين، كما قال ? في حديث الشفاعة الذي رواه أبو هريرة وأبو سعيد جميعا رضي الله عنهما أنهم يخرجون من النار يعرفون بآثار السجود، فقد بين لك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة هم المصلون) ا. هـ.
وبهذا الحديث استدل ابن أبي جمرة ([9]) أيضا على أن تارك الصلاة لا يخرج من النار, إذ لا علامة له, كما في الفتح (11/ 457).
وقال أبو الفرج ابن رجب في فتح الباري (7/ 241): (واستدل بذلك بعض من يقول: إن تارك الصلاة كافر, تأكله النار كله, فلا يبقى حاله حال عصاة الموحدين, وهذا فيمن لم يصلي لله صلاة قط ظاهر) ا. هـ.
إذا هؤلاء معهم بعض العمل؛ لأن الصلاة أعظم الأعمال بعد التوحيد.
3 - مما يفسر ما تقدم ما جاء في حديث أبي سعيد نفسه في قوله ?: «فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة، كلما أراد أن يسجد خر على قفاه».
وهذا يدل على من كان لا يسجد لله في الدنيا لا يستطيع السجود لله يوم القيامة, هذه صفة الكفار الذين ليس معهم عمل السجود, وهي الصلاة, قال تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون. فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون}.
قال محمد بن نصر في «الصلاة» (2/ 1010): (أولا ترى أن الله تعالى مَيَّز بين أهل الإيمان وأهل النفاق بالسجود، فقال تعالى: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}، وقد ذكرنا الأخبار المروية فى تفسير الآية في صدر كتابنا فقال الله تعالى: {وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون} , وقال تعالى: {وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون} أفلا تراه جعل علامة ما بين ملة الكفر والإسلام وبين أهل النفاق والإيمان في الدنيا والآخرة الصلاة) ا. هـ.
وقال العماد ابن كثير في تفسير ما سبق من الآيات (8/ 200): (وقوله: {خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة} أي: في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبرهم في الدنيا، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه، ولما دعوا إلى السجود في الدنيا فامتنعوا منه مع صحتهم وسلامتهم كذلك عوقبوا بعدم قدرتهم عليه في الآخرة، إذا تجلى الرب عز وجل، فيسجد له المؤمنون، لا يستطيع أحد من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد، بل يعود ظهر أحدهم طبقا واحدا، كلما أراد أحدهم أن يسجد خر لقفاه، عكس السجود، كما كانوا في الدنيا، بخلاف ما عليه المؤمنون) ا. هـ.
¥