تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قوله: (لم ينظر الله إليه) النظر حقيقة في إدراك العين للمرئي، وهو هنا مجاز عن الرحمة أي لا يرحمه الله لامتناع حقيقة النظر في حقه تعالى، والعلاقة هي السببية، فإن من نظر إلى غيره وهو في حالة ممتهنة رحمه. وقال في شرح الترمذي: عبر عن المعنى الكائن عند النظر بالنظر لأن من نظر إلى متواضع رحمه، ومن نظر إلى متكبر مقته، فالرحمة والمقت متسببان عن النظر. الحديث يدل على تحريم جر الثوب خيلاء. والمراد بجره هو جره على وجه الأرض وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم: {ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار} كما سيأتي، وظاهر الحديث أن الإسبال محرم على الرجال والنساء لما في صيغة من في قوله من جر من العموم، وقد فهمت أم سلمة ذلك لما سمعت الحديث فقالت: {فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخينه شبرا فقالت: إذا ينكشف أقدامهن، قال: فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه} أخرجه النسائي والترمذي، ولكنه قد أجمع المسلمون على جواز الإسبال للنساء، كما صرح بذلك ابن رسلان في شرح السنن، وظاهر التقييد بقوله: خيلاء، يدل بمفهومه أن جر الثوب لغير الخيلاء لا يكون داخلا في هذا الوعيد.

قال ابن عبد البر: مفهومه أن الجار لغير الخيلاء لا يلحقه الوعيد إلا أنه مذموم قال النووي: إنه مكروه وهذا نص الشافعي. قال البويطي في مختصره عن الشافعي: لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، ولغيرها خفيف، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر انتهى. قال ابن العربي: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول: لا أجره خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظا ولا يجوز لمن تناوله لفظا أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول: لا أمتثله، لأن تلك العلة ليست في. فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالة ذيله دالة على تكبره انتهى.

وحاصله أن الإسبال يستلزم جر الثوب وجر الثوب يستلزم الخيلاء ولو لم يقصده اللابس. ويدل على عدم اعتبار التقييد بالخيلاء ما أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي، وصححه من حديث جابر بن سليم من حديث طويل فيه {وارفع إزارك إلى نصف الساق، فإن أبيت فإلى الكعبين، وإياك وإسبال الإزار فإنها من المخيلة وإن الله لا يحب المخيلة}.

وما أخرج الطبراني من حديث أبي أمامة قال: {بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله عز وجل ويقول: عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال: يا رسول الله إني أحمش الساقين، فقال: يا عمرو إن الله تعالى قد أحسن كل شيء خلقه، يا عمرو إن الله لا يحب المسبل}. والحديث رجاله ثقات

وظاهره أن عمرا لم يقصد الخيلاء، وقد عرفت ما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: " إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء " وهو تصريح بأن مناط التحريم الخيلاء، وأن الإسبال قد يكون للخيلاء، وقد يكون لغيره فلا بد من حمل قوله " فإنها المخيلة " في حديث جابر بن علي أنه خرج مخرج الغالب، فيكون الوعيد المذكور في حديث الباب متوجها إلى من فعل ذلك اختيالا، والقول بأن كل إسبال من المخيلة أخذا بظاهر حديث جابر ترده الضرورة، فإن كل أحد يعلم أن من الناس من يسبل إزاره مع عدم خطور الخيلاء بباله، ويرده ما تقدم من قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر لما عرفت.

وبهذا يحصل الجمع بين الأحاديث وعدم إهدار قيد الخيلاء المصرح به في الصحيحين، وقد جمع بعض المتأخرين رسالة طويلة جزم فيها بتحريم الإسبال مطلقا (1)، وأعظم ما تمسك به حديث جابر. وأما حديث أبي أمامة فغاية ما فيه التصريح بأن الله لا يحب المسبل، وحديث الباب مقيد بالخيلاء وحمل المطلق على المقيد واجب وأما كون الظاهر من عمرو أنه لم يقصد الخيلاء فما بمثل هذا الظاهر تعارض الأحاديث الصحيحة (1)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير