أما حديث سمرة رضي الله عنه فلا إحتمال فيه لأن الرسول عليه الصلاة و السلام لا يقر أحدا على باطل فكيف بجر إزار في المسجد بل النظر في جميع الآثار يبين لنا أن إعتراض الرسول عليه الصلاة و السلام في مثل هذه الوقائع كان على من ظن فيه الخيلاء و سياق الأحاديث يدل على ذلك أما إقراره في مثل هذه المواضع كان فيما لا خيلاء فيه و جمع الأمرين حديث ابن عمر رضي الله عنه و تصريح الرسول عليه الصلاة و السلام لأبي بكر الصديق رضي الله عنه إنك لست تصنع ذلك خيلاء فأمر عبد الله بن عمر رضى الله عنه برفعه لما رآه منه في إزار جديد يتقعقع و ظهور علامات الخيلاء فهو شاب لكن حكم بغير ذلك لإبي بكر الصديق رضي الله عنه لإنتفاء ذلك و هكذا المتتبع للأثار يدرك ذلك، هذا هو الفقه أخي الكريم الذي فهمه الجمهور لا كحالنا اليوم ننظر في حديث واحد و نظن أننا على الحق إنما ذلك منهج من لم يشم رائحة الفقه و هذه قصة أسوقها لك فيها عبرة من قبيل ذلك:
قال محمد بن الحسن الحجوي رحم الله في كتابه الفكر السامي صفحة 314: وعن عبد الوارث بن سعد قال: قدمت مكة فوجدت فيها أبا حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة فسألت أبا حنيفة قلت: ما تقول في رجل باع بيعاً وشرط شرطاً؟ قال: البيع باطل والشرط باطل.
ثم أتيت ابن أبي ليلى فسألته؟ فقال: البيع جائز والشرط باطل.
ثم أتيت ابن شبرمة فسألته؟ فقال: البيع جائز والشرط جائز.
فقلت: يا سبحان الله ثلاثة من فقهاء العراق اختلفوا علي في مسألة واحدة فأتيت أبا حنيفة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط البيع باطل والشرط باطل.
ثم أتيت ابن أبي ليلى فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا حدثني هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشتري بريرة فأعتقها البيع جائز والشرط باطل.
ثم أتيت ابن شبرمة فأخبرته فقال: لا أدري ما قالا حدثني مسعر بن كدام عن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة وشرط حملنا إلى المدينة. البيع جائز والشرط جائز.
أما مالك فقد عرف الأحاديث كلها و عمل بجميعها و قسم البيع و الشرط إلى أقسام ثلاثة: شرط يناقض المقصود كشرط العتق فيحذف.
و شرط لا تأثير له كرهن أو حميل فيجوز.
و شرط حرام كبيع جارية بشرط أنها مغنية فيبطل البيع كل، و غيره لم يمعن النظر و لا حرر المناط. اهـ
قال الإمام الشاطبى بعد ذكره مناظرة بين ناصر السنة الأمام احمد بن حنبل رحمه الله وأحمد بن أبى دؤاد المعتزلى فى بدعة القول بخلق القرآن: "ومدار الغلط في هذا الفصل إنما هو على حرف واحد، وهو الجهل بمقاصد الشرع، وعدم ضم أطرافه بعضها ببعض؛ فإن مأخذ الأدلة عند الأئمة الراسخين إنما هو على أن تؤخذ الشريعة كالصورة الواحدة بحسب ما ثبت من كلياتها وجزئياتها المرتبة عليها، وعامها المرتب على خاصها، ومطلقها المحمول على مقيدها، ومجملها المفسر ببينها. . . . إلى ما سوى ذلك من مناحيها، فإذا حصل للناظر من جملتها حكم من الأحكام؛ فذلك الذي نظمت به حين استنبطت.
وما مثلها إلا مثل الإنسان الصحيح السوي، فكما أن الإنسان لا يكون إنسانا (حتى) يستنطق فلا ينطق؛ لا باليد وحدها، ولا بالرجل وحدها، ولا بالرأس وحده، ولا باللسان وحده، بل بجملته التي سمي بها إنسانا كذلك الشريعة لا يطلب منها الحكم على حقيقة الاستنباط إلا بجملتها، لا من دليل منها أي دليل كان، وإن ظهر لبادي الرأي نطق ذلك الدليل؛ فإنما هو توهمي لا حقيقي؛ كاليد إذا استنطقت فإنما تنطق توهما لا حقيقة؛ من حيث علمت أنها يد إنسان لا من حيث هي إنسان؛ لأنه محال.
فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضا كأعضاء الإنسان إذا صورت صورة متحدة".
اهـ
لذلك من لم يجمع أحاديث الباب و لم يمعن النظر فيه فليس بناظر في حديث و لا في فقه.
نصيحتي لك و للإخوة هو قول الشيخ سليمان الماجد القاضي بالمحكمة العامة بالرياض:
وليس المقصود من هذا هو مجرد التسهيل، ولا أن نبادىء الناس بذكر ذلك، ولكنها موقظة لطالب العلم المتخصص أن يجعل الأمر في نصابه، بأن يوطن نفسه على أن المسألة اجتهادية يسيرة من حيث دلالة النصوص؛ فلا يُقسم الخلق بناء عليها إلى صالح وطالح، ولا إلى تقي وشقي، وأن يعلم أنه يحصل بجعل القضية معيار الالتزام أو عدمه، وتفرقة الناس بناء على القول فيها أو العمل يحصل من المفسدة أضعاف ما نرجو من مصلحة حمل الناس على ما نراه راجحاً، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله في نحو هذا المعنى في (مجموع الفتاوى) (35/ 74): ( .. ما يكرهون في الجماعة خير مما يجمعون من الفرقة). والله أعلم اهـ
و نسأل الله التوفيق و الهداية إلى سبيل الرشاد و السلام عليكم
¥