المقالة الثانية: المنشورة في السنة السابعة العدد رقم 76 من الصفحات 55 إلى 62 من غرة ربيع الآخر 1390هـ الموافق 25 مايو 1971م , قال العلامة محمد تقي الدين الهلالي المغربي رحمه الله تعالى:
وسمت هذه السلسلة التي نسأل الله إتمامها على أحسن وجه بأهل الحديث وجعلت الحلقة الأولى في ذكر نبذة وجيزة في فضل أهل الحديث على أن تليها تراجم أهل الحديث وذكر أخبارهم التي ينشرح لها صدر كل مؤمن وكل طالب علم منصف, فمن هو أول أهل الحديث وأحقهم بالتقدم؟
الجواب: هو أول المسلمين من هذه الأمة وسيد ولد آدم أجمعين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي فتح له الله فتحاً مبيناً, ونصره نصراً عزيزاً, وأرسله مبشراً ونذيراً, وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, وجعل النصر والعزة مقرونين برايته ورايات من اتبعه إلى الأبد, وجعل الذلة والصغار حليفين لمن خالف أمره ونبذ ما جاء به وراء ظهره. وإن كان كالرمل في العدد, قال تعالى في سورة المؤمن (غافر) رقم 51 , 52: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ - يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} والظالمون المتعذرون يوم القيامة هم الذين عارضوا دعوته وسلكوا سبيلاً غير سبيلها وتولوا فريقاً غير فريقها, قال تعالى في أول سورة النمل: {طس تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ - هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ - الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ - إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ وَهُمْ فِي الآَخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ} ولما كان نسبه الشريف, وسيرته الكريمة, وغزواته المظفرة مشهورة ومعلومة عند القراء ومراجعتها سهلة في كل وقت أردت أن أذكر بدلها براهين صدق دعوته, وكمال رسالته, واتمام نعمة الله عليه وعلى من اتبعه إلى يوم القيامة, فإن كثيراً من الأغمار الجاهلين بهذه الدعوة ظنوا أن ما وعد الله لها من النصر والعلو خاص بزمان دون زمان, ومكان دون مكان, وقوم دون آخرين. وأول ما ابتدي به حديث ابن عباس الذي أخرجه البخاري في صحيحه بإسناد كالشمس ليس دونها غمام وهو مما شهد به أبو سفيان بن حرب مما شاهده قبل إسلامه من الآيات.
ومليحة شهدت لها ضراتها والفضل ما شهدت به الأعداء
فإن هذا الحديث مبني على أدق قواعد الجدل وموزون بالقسطاس المستقيم, يجله الباحثون, ويجهله السفهاء الجاهلون, قال البخاري رحمه الله: حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عبد الله بن عباس أخبره أن أبا سفيان بن حرب أخبره أن هرقل أرسل إليه في ركب من قريش وكانوا تجاراً بالشام في المدة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ماد فيها أبا سفيان وكفار قريش, فأتوه وهم بإيلياء فدعاهم في مجلسه وحوله عظماء الروم ثم دعاهم ودعا بترجمانه فقال: أيكم أقرب نسباً بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي, فقال أبو سفيان فقلت: أنا أقربهم نسباً, فقال: أدنوه مني وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره, ثم قال لترجمانه قل لهم أني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه فوالله لولا الحياء من أن يأثروا علي كذباً لكذبت عنه, ثم كان أول ما سألني عنه أن قال: كيف نسبه فيكم, قلت هو فينا ذو نسب, قال: فهل قال هذا القول منكم أحد قط قبله, قلت: لا, قال: فهل كان من آبائه من ملك, قلت: لا, قال: فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفائهم؟ فقلت: بل ضعفائهم, قال: أيزيدون أم ينقصون, قلت: بل يزيدون, قال: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه, قلت: لا, قال: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال, قلت: لا, قال: فهل يغدر؟ قلت: لا, ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها, قال: ولم تمكني كلمة أدخل فيها شيئاً غير هذه الكلمة, قال: فهل قاتلتموه, قلت: نعم, قال: فكيف كان قتالكم أياه, قلت: الحرب بيننا وبينه سجال, ينال منا وننال منه, قال: ماذا يأمركم, قلت: يقول
¥