تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد افتتح التفسير بمقدمة حافلة، تتحدث في إسهاب عن أمور جوهرية تتعلق بعلم التفسير، إذ تتضمن الحديث عن معرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ، وقصص الأنبياء، وشيوع الإسرائيليات بها، وجريان القرآن على اللسان العربي، ومعنى التفسير الباطن والتفسير الظاهر، وأيهما أصح وأسلم، والسنة المطهرة ومنزلتها من تفسير القرآن، والمكي والمدني في كتاب الله، والاعتدال في التفسير بالمأثور والرأي، وأسرار التكرار في القرآن، والأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ومسائل أخرى غاية في الأهمية. وهي مقدمة جديرة بالدراسة والفهم.

وأحسن طبعات (محاسن التأويل) تلك التي أشرف عليها الأستاذ محمد فؤاد عبدالباقي رحمه الله، حيث صحح التفسير ورقمه، وخرج آياته وأحاديثه وعلق عليه. وقد صدرت طبعته الأولى بين عامي 1376 - 1377هـ من دار إحياء الكتب العربية، ثم تتابعت الطبعات بعد ذلك.

وقد تحدث القاسمي عن صلته بالقرآن وتفسيره، فقال: (وإني وإن كنت حركت الهمة إلى تحصيل ما فيه من الفنون، والاكتحال بإثمد مطالبه لتنوير العيون، فأكببت على النظر فيه، وشغفت بتدبر لآلي عقوده ودراريه، وتصفحت ما قدر لي من تفاسير السابقين، وتعرفت – حين درست – ما تخللها من الغث والسمين – ورايت كلاً – بقدر وسعه – حام حول مقاصده، وبمقدار طاقته جال في ميدان دلائله وشواهده.

وبعد أن صرفت في الكشف عن حقائقه شطراً من عمري، ووقفت على الفحص عن دقائقه قدراً من دهري، أردت أن أنخرط في سلك مفسريه الأكابر، قبل أن تبلى السرائر، وتفنى العناصر، وأكون بخدمته موسوماً، وفي حملته منظوماً .. فشحذت كليل العزم، وأيقظت نائم الهم ... واستخرت الله تعالى في تقرير قواعده، وتفسير مقاصده، في كتاب اسمه بعون الجليل: (محاسن التأويل). أودعه ما صفا من التحقيقات، وأوشحه بمباحث هي المهمات، وأوضح فيه خزائن الأسرار، وأنقد فيه نتائج الأفكار، وأسوق إليه فوائد التقطتها من تفاسير السلف الغابر، وفرائد عثرت عليها في غضون الدفاتر، وزوائد استنبطتها بفكري القاصر، مما قادني الدليل إليه، وقوى اعتمادي عليه.

وسيحمد السابح في لججه، والسانح في حججه، ما أودعته من نفائسه الغريبة البرهان، وأوردته من أحاديثه الصحاح والحسان، وبدائعه الباهرة للأذهان ... فإنها لب اللباب، ومهتدى أولي الألباب! ولم أطل ذيول الأبحاث بغرائب التدقيقات بل اخترت حسن الإيجاز في حل المشكلات ... ولا يخفى أن من القضايا المسلمة، والمقدمات الضرورية، أنه مهما تأنق الخبير في تحرير دقائقه السنية، فما هو إلا كالشرح لشذرة من معانيه الظاهرة، وكالكشف للمعة يسيرة من أنواره الباهرة، إذ لا قدرة لأحد على استيفاء جميع ما اشتمل عليه الكتاب، وما تضمنه من لب اللباب، لأنه منطو على أسرار مصونة، وجواهر حكم مكنونة، لا يكشفها بالتحقيق إلا من اجتباه مولاه، ولا تتبين حقائقها إلا بالتلقي عن خيرته ومصطفاه.

وكان شروعي في هذه النية الحميدة، بعد استخارته تعالى أياماً عديدة، في العشر الأول من شوال في الحول السادس عشر بعد الثلاثمئة وألف).

والقاسمي رحمه الله كثيراً ما ينقل نقولاً طويلة عن علماء السلف كالإمام أحمد بن حنبل وابن جرير الطبري وابن تيمية وابن القيم وابن كثير والعز بن عبدالسلام والشاطبي وابن حزم والقرطبي وغيرهم. والحق أن النقول في كتابه قد زادت زيادة كانت مصدر العجب، بحيث لو طار كل نص إلى أصله ما يكاد يبقى شيء للقاسمي غير تعليقات ضئيلة، ولكن الزمن الذي ظهر فيه الكتاب أول مرة كان في حاجة إلى تلك النقول، لتعذر مصادرها على الكثير، وبدراسة أمثال هذه النقول الشافية نجد أنها لم تسق جزافاً، وإنما خضعت لفحص وتأمل واستيعاب، ثم ترجيح واختيار، فالقارئ المتعجل يظن المفسر قد نقل ما أمامه دون جهد كبير، وهذا عمل قل من يحسنه كالقاسمي رحمه الله.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير