ثم إن الكتاب قد ألف في أوائل القرن الماضي، أيام كانت هذه البحوث جديدة طريفة يتقبلها القارئ باشتياق، ولكن مُضيَّ قرنٍ عليها، أتاح لطلاب الدراسات العليا في كليات الشريعة وأصول الدين أن يبدعو الرسائل العلمية الشافية، وأن يبرزوا في هذا الحقل ما يروق القارئ المعاصر، ومحاولة المقارنة بينهم وبين صنيع القاسمي محاولة ظالمة، لأن الرجل رائد يسير الخطوات الأولى في طريق غير ممهد، وقد مضت عقود متوالية في مضمار البحث القرآني حتى اعتدل السير، واستقام الطريق، وهنا يحفظ للرائد مكان الريادة، ولا نطالبه بما نطالب به اللاحق من ابتكار وتجويد. وهو يحرص على أن يستشهد بالصحيح والحسن من الأحاديث في تفسيره. وفي اللغة يرجع إلى كتب اللغة كالقاموس والصحاح وغيرهما.
منهجه في مسائل الاعتقاد
كان القاسمي رحمه الله سلفي المنهج على منهج أهل السنة والجماعة، فهو من أتباع شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأئمة السلف من قبل هؤلاء ومن بعدهم. وقد تعرض لمضايقات كثيرة بسبب هذا المنهج فاتهم بالوهابية – نسبة خاطئة إلى الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله – وحقق معه، واتهم بتسفيه آراء الأئمة المتقدمين من أصحاب المذاهب، ثم خرج بعد ذلك من تلك المحن وهو أقوى ما يكون حجة، وأصلب عوداً. والقارئ في تفسيره يرى منهج السلف ظاهراً، فهو يكثر النقل عن علماء السلف، ويورد حججهم وأدلتهم، وردودهم على شبه الخصوم، مما يؤكد أن المؤلف رحمه الله كان يجعل همه كل همه الإصلاح ليس إلا، وإنما يورد هذه النصوص ليلجم بها الخصوم، فإنهم إن استطاعوا جدلاً رد أقواله، صعب عليهم إبطال أقوال علماء بهم يقتدون، وبعلمهم يعترفون فكانت حجتهم لهم غالبة.
وهو في أحيان كثيرة لا يزيد في تفسير الآية على نقل كلام السلف فيها، وانظر مثلاً لذلك تفسيره لقوله تعالى: (ثم استوى على العرش) فقد استغرق منه تفسير هذه الآية 47 صفحة أغلبها نقول عن السلف، وهو إنما يربط كلامهم بعضه ببعض.
وقد أكد في مقدمة تفسيره أن الصواب في آيات الصفات هو مذهب السلف، أورد فيه نقولاً لبعض العلماء في إثبات ذلك.
خلاصة الجواب للأخ منتقى
تفسير محاسن التأويل للقاسمي من أنفس كتب التفسير، وقد أتى فيه بدرر ونفائس، ولكنه لا يصلح للقارئ المبتدي لأنه طويل النفس جداً، وأكثره نقول كما تقدم عن السابقين، ويحتاج في فهمه إلى صبر وأناة، والمبتدئ يفتقر في الغالب إلى تلك الصفات، وإنما يهمه في المرحلة الأولى فهم الغريب من الألفاظ والتراكيب وبعض المقدمات الضرورية، ولذلك فإنني أنصحك يا أخ منتقى أن تراجع ما كتبه الأخ أبو مجاهد وفقه الله في هذا الملتقى حول الكتب التي يحسن بطالب علم التفسير أن يبتدأ بها ويتدرج في فهمها حتى ينال حظاً وافراً من فهم القرآن الكريم، وتجد كلامه على هذا الرابط:
http://www.tafsir.org/vb/showthread.php?s=&threadid=26 ويمكننا النقاش حول هذا إن بدا لك سؤال، أو كان ثمة إشكال، وما أسعدنا بمشاركة الإخوة حول هذا الموضوع، فما كتبته لا يعدو كونه اجتهاداً. وفق الله الجميع للحق والسداد، والله أعلم
ـ[أبو الطيب أحمد بن طراد]ــــــــ[03 - 05 - 10, 10:10 م]ـ
وقال الدكتور عبد الرحمن الشهري أيضاً:
بسم الله الرحمن الرحيم
سألني أحد الإخوة الكرام عن تفسير القاسمي، وقيمته العلمية، فذكرت له أنه تفسير نفيس، ينفرد بكثير من المزايا، وتذكرت أثناء ذلك أنه قد مر بي كلام للغماري يذكر فيه قصةً له حول طباعة تفسير القاسمي، وأنه قد طبع ناقصاً بسبب جرأة من أشرف على طباعته حينذاك في حذف ما يراه غير مناسب، ولم يكن من أهل هذا الشأن. ثم رجعت بعد ذلك إلى كتاب (بدع التفاسير) للغماري فوجدته يقول في صفحة 161 من كتابه:
(تفسير القاسمي لا بأس به، يميل إلى وضوح العبارة، وتبسيط البحث الذي يتعرض له، مع جنوح إلى الاجتهاد والاستقلال في الرأي، وقد ينساق مع الإسرائليات أحياناً.
وحين أريد تقديمه إلى المطبعة أشرف على طبعه شخص في عقله شيء. زرته مرة ببيته، فأطلعني على نسخة التفسير بخط القاسمي، سلمها إليه ابنه ليشرف على طبعها، فإذا هو قد ضرب بالقلم الأحمر على بحث النسخ الذي ذكره المؤلف عند قوله تعالى: (سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها). فسألته عن سبب شطب هذا البحث، فقال: لأنه لا يليق بمقام القاسمي الذي كان يسميه الشيخ رشيد رضا: عالم الشام، فحذفته وحذفت ما كان من قبيله عديم الفائدة، قليل الجدوى.
قلت له: لكن هذا ينافي الأمانة العلمية!
فقال: التفسير لم يطبع قبل الآن، ولا أحد يعرف ما حذف منه. ونجل المفسر – وهو نقيب المحامين بدمشق – أباح لي التصرف فيه حسبما أراه مصلحة، وهذه البحوث لا تليق بالقاسمي وبشهرته العلمية.
قلت له: اتركها كما كتبها المؤلف، وعلق عليها برأيك، فأبى، وأصر على حذفها.
وبناء على هذا فالتفسير المذكور ناقص في عدة مواضع، وهذه خيانة علمية ما كان ينبغي أن تحصل. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). أهـ.
وهذا الأمر مما ابتليت به كثير من كتب السلف، حيث يقوم على تصحيحها من ليس من أهل الشأن فيفسد من حيث يريد الإصلاح، والأحاديث والقصص في هذا كثيرة ذكرها من صنف في هذه الأمور. حتى إن بعض عمال المطابع يتدخل في ذلك، وأذكر أن الأستاذ محمد عدنان سالم صاحب دار الفكر قال في كتابه (هموم ناشر عربي) وهو يحكي قصة طريفة وقعت له أنه مرة صحح كلمة (إقرأ) على ظهر غلاف كتاب معد للطبع، فحذف همزة القطع التي جعلت خطأ في أولها، وأرجعها همزة وصل، وتأكد من حذفها على آخر تجربة قبل الطبع، وعندما قدمت له نسخة مطبوعة من الكتاب، راعه أنه وجد همزة (إقرأ) قد عادت لتحتل مكانها عنوة تحت الألف! فلما تتبع الموضوع وجد أن عامل التصوير - لما يعلم من اهتمامه وكلفه بالهمزة - قد تطوع وأثبتها، وهو يحسب أنه قد أحسن صنعاً، وأسدى إلى اللغة العربية معروفاً بفعله هذا!!
¥