قال العلامة المرعشي الشهير بساجقلي زاده " ترتيب العلوم " (ص 80): المنقول من سيرهم، و المتبادر من كلماتهم في مؤلفاتهم أنهم تناولوا متون الفنون المعتبرة و هي مسائلها المشهورة. أهـ.
و من الغلطِ في الطلب إغفالُ هذه الخاصية في التعليم، فإن إهمالَها مما يسبب تخبطُّاً في التعلُّم، درى ذلك من دراهُ و جهلَه من جهلَه.
ثالثها: لزومُ عالمٍ مُحْسِنٍ للعلم، قال ابنُ جماعة _ رحمه الله _ " التذكرة " (169_170): و لْيَحْذر من الاعتماد في ذلك _ أي: استشراحُ المتون _ على الكتبِ أبداً، بل يعتمدُ في كلِّ فنٍّ مَنْ هو أحسنُ تعليماً له، و أكثرُ تحقيقاً فيه و تحصيلاً منه، و أخبرهم بالكتاب الذي قرأه. أ، هـ.
و هذا النقلُ من ابن جماعةَ _ رحمه الله _ يفيدنا أموراً ثلاثة:
أولها: النهي عن استشراح المتون من الكتبِ دون الأخذ عن الأشياخ.
ثانيها: الأخذُ عن الشيخ المتقن للفن، المحقق فيه.
ثالثها: كون العالم خبيراً بالكتاب، ففرقٌ كبيرٌ بين علم العالم بالفن و معرفته بالكتاب و اصطلاحاته، فمن العلماء من هو إمامٌ في فنه و قد لا يتقنُ التعامل مع كتابٍ من كتب الفن، و لعل الأقرب لمراد ابن جماعة هو أنه إذا عُدِمَ العالم بالفن فلا أقلَّ من أن يكون متقناً للمتن.
إننا نرى كثيراً من السالكين دربَ التعلم مُغْفِلِيْنَ هذه الأمانة الطلبية، و من نتاجِ ذلك أن بانت منهم شذوذاتٍ في العلم لا يُعرفُ منزعها، و لا يُدرى مصدرها.
القسمُ الثاني
الأمانةُ في النقل
مما جرتْ عليه عوائدُ أهل العلم النقلُ عن الكتبِ، و الأخذِ عنها، و لا غرْوَ في ذلك فهنَّ لِقاحُ الفُهوم، و نبراسُ العقول.
و أيضاً جَرْيُ العادةِ بالنقلِ عن الأشياخ، و هي ما يُسمى بـ (الملفوظات) أو (المشافهات) و هي غالباً ما تكون من نفيسِ ما يكون من النقلِ.
و حيثُ كانت بتلك المكانة، و حاظِيَةٌ بهاتيك المتانة، إلا أنه انتابها من الخيانة ما انتابها، و اعتراها من الإخلال ما اعتراها.
فقد بُلِيَتْ العلومُ بسُرَّاقها، و انفلتت سطوة خُرَّاقها، فلا ترى علماً إلا مخروقاً، و لا فناً إلا مفتوقاً، و الآكلةُ تعبَثُ، و السباعُ تنهش.
و لستُ إلا مريداً التَّعَرُّضَ لحالِ السُرَّاق، الذين كشفَ عورتهم، و أبان سوأتهم نفرٌ مباركٌ من فضلاء أهل العلوم، منهم الشيخ: حسان عبد المنان في كتابه الماتع المفيد " السرقات العلمية "، و كذلك ما كتبه الشيخ: صالح الحُصَيِّن في " هل للتأليف حقٌّ شرعي؟ "، و " حقوق المِلكية الفكرية " لـ: أ. د. بركات محمد مراد، و غيرها.
فإننا ننظرُ إلى سوقهم فإذا هي رائجةٌ، و إلى بضاعتهم فهي رابحة، و لكن أين لها الربح المعنوي؟، و أين لها النجاءُ من التَبِعَة يوم القيامة؟
إن كثرتَهم من أقوى دلائل الخيانة في الطلب، و من أدلِّ ما نظفرُ به عليهم في بيان سوءِ المقصد، و ما كان هذا من عوائد السالفين، و من مناهج العلماء العاملين، و العارفُ بسيَرِهم دارٍ بذلك.
و قد تُنُوْقِلَتْ كلمةٌ غَدتْ مثلاً: من بَرَكَةِ العلم و شُكرِهِ عَزوهُ إلى قائله. انظر: " المُزهر " (2/ 231).
النقلُ نوعان:
الأول: نقلٌ بالنَّصِّ، و هذا غالبُ ما عليه الأكثرون، و لِيُلاحَظ فيه: الحرصُ على أن يكون النقلُ معتمداً من قِبَلِ المنقولِ منه، و الاعتمادُ قسمان:
القسمُ الأول: اعتمادُ قولٍ هو العمدةُ فيما قرره المؤلفُ، فبعضٌ _ كثيرٌ _ من العلماء يتخذون أقوالاً تُنقلُ عنهم و تنتشرُ في آفاق الأرض، ثم يتغيَّرُ رأي العالمِ إلى غيره، و محلُّ قولهِ الأخير محلاّن:
الأول: كتابٌ يؤلفه هو مؤخراً فيُعتمدُ عنه.
الثاني: تقرير طلابه ذلك عنه في كتبهم.
القسم الثاني: النظرُ في تقارير طلابه الأثبات عنه، فلصوق الطالب بشيخه، و لزومه درسه، مما يتأكدُ فيه كينونةُ ما يقرره الطالب مُعتمد شيخه.
مع مراعاة الطالبِ من حيثُ: تمام الضبط، و كمال الديانة، و إتقان النقلِ، و موافقةُ الأقران.
النوعُ الثاني: نقلٌ بالمعنى، و هذا لا عيبَ فيه إذا كان مُقيَّداً بقيدين اثنين:
أولهما: عدم وجود النقلِ نصاً، أو تعسرَ، أو كان ملفوظاً علمياً لا مكتوباً.
¥