وإذا ثبت من خلال أطباء مسلمين عدول موثوق فيهم أن منع الحيض يمنع الحمل فلا بد من إذن الزوج، وحيث ثبت الجواز فالأولى عدم استعماله إلا لحاجة؛ لأن ترك الطبيعة على ما هي عليه أقرب إلى اعتدال الصحة فالسلامة.
أما استعمال المرأة لما يجلب الحيض فهو جائز أيضا بشرطين:
1ـ ألا تتحيل به على إسقاط واجب مثل أن تستعمله قرب شهر رمضان من أجل أن تفطر، أو تستعمله من أجل أن تسقط به الصلاة أو عبادة أخرى من العبادات، ومثل هذا الفعل لا يتفق ومبادئ الشرع الحكيم المطهرة.
2ـ أن يكون ذلك بإذن الزوج؛ فحصول الحيض يمنعه من كمال الاستمتاع بزوجته فلا يجوز استعمال ما يمنع حقه إلا برضاه.
وإن كانت مطلقة فإن فيه تعجيل إسقاط حق الزوج من الرجعة إن كان له رجعة.
وقد بين الشارع الحكيم أن المرأة لا يحل لها أن تفعل ما يسقط حق زوجها عليها كصيام بدون إذنه؛ فجاء في ذلك نهي صريح. يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها حاضر إلا بإذنه .... ) (90).
حكم استعمال ما يمنع الحمل أو يسقطه:
أولا: استعمال المرأة لما يمنع الحمل:
وهو على نوعين:
1ـ أن يمنع الحمل منعا باتا، فهذا لا يجوز قطعا؛ لأنه يقطع الحمل وبه يقل النسل وهو خلاف مقصود الشارع من تكثير الأمة الإسلامية، ولأنه لا يؤمن أن يموت أولادها الموجودون فتبقى أرملة لا أولاد لها.
وكم من أسرة حاولت عصيان الله عز وجل بهذا الأمر وهو إيقاف الإنجاب نهائيا بدون عذر ليس إلا لقلة الرزق والمعيشة حسب مفهومهم الضيق لقضية التوكل على الله، مع الأخذ بالأسباب المنبثقة من الإيمان بالله سبحانه وتعالى من خلال عقيدة صحيحة قوية صافية بها يدرك العبد عظمة الخالق وقدرته على رزق كل من خلق ورحمته العظيمة بعباده.
وعدم فهم هؤلاء لقضية الرزق المقدر والمكتوب في اللوح المحفوظ لكل عبد وهو داخل بطن أمه ليس هذا فحسب بل أن الرزاق سبحانه وتعالى أقسم بأن هذا الرزق مضمون عنده سبحانه، قال تعالى [فورب السماء والأرض إنه لحق] (91).
فلما حادت عقول بعض الناس عن هذه المفاهيم السليمة وعصوا الله تعالى بإيقاف الإنجاب كانت النتيجة أن الله تعالى حرمهم هذه النعمة وهي نعمة الأولاد والتي تعد من أعظم نعم الله على العبد.
نعم الإله على العباد كثيرة وأجلهن (*) نجابة الأولاد
ولقد وقفت على حالة شخص أمر زوجته بعدم الحمل بعدما أنجب منها ثلاثة أولاد فمات أبناؤه الثلاثة في أسبوع واحد وكان أصغرهم يبلغ من العمر خمس سنوات فندم وحزن وتمنى أنه لم يأمر زوجته بعدم الإنجاب.
2ـ أن يمنع الحمل منعا مؤقتا، كأن تكون المرأة كثيرة الحمل والحمل يرهقها، فتحب أن تنظم حملها كل سنتين مرة أو نحو ذلك، فهو جائز بشرط أن يأذن زوجها في ذلك وألا يكون به ضرر عليها.
ومنع الحمل في هذه الحالة يتم بأكثر من طريقة منها:
1ـ طرق تمنع وصول الحيوانات المنوية إلى عنق الرحم، ولها مظاهر:
أ ـ الجماع بدون إيلاج: وهذه الطريقة ليست شائعة الاستعمال رغم أنها قديمة إلا أنها لا تزال موجودة، وقد سجلت حالات حمل كثيرة حتى مع عدم الإيلاج والإنزال خارج الفرج.
وهذا فيه ضرر على الزوجة لشوقها للجماع.
ب ـ العزل: وهو إحدى الطرق القديمة التي عرفها الإنسان وباشرها لتنظيم النسل، وهو أن يباشر الرجل المرأة ولكن عند الإنزال يلقي بمائه خارج المهبل.
وجود هذه الطريقة مشروط بموافقة الزوجة على ذلك، حيث ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله أن المرأة لها حق في الولد ولها حق في الاستمتاع بالجماع، ومن المعلوم أن العزل قد يسبب توترا للزوج وينتج عنه سرعة الإنزال قبل أن تقضي الزوجة وطرها فيكون في ذلك نوع إيذاء لها، و قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها.
وإن إنزال الرجل خارج الفرج فيه تفويت لمتعة المرأة ولذتها الحاصلة لها من الجماع، وبذا يكون الرجل قد حاد عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل فيه: ( ... حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) (92).
جـ ــ استعمال (الرفال) وهو جلد يغطي الإحليل يضعه الرجل على إحليله قبل الجماع فإذا ما تم الإنزال نزلت الحيوانات المنوية داخل هذا الجلد المسمى الرفال ولم ينزل منها شيء في الفرج، وهذا أيضا يحصل فيه مشقة للزوجة لعدم استمتاعها بالجماع وهذه الحالة نسبة الفشل فيها لمنع الحمل قليلة قد تصل إلى ستة بالمائة فقط.
¥