أما دليل السنة فإن النبي- r- أمر بالسترة قولاً وحرص عليها فعلاً فقد جاء هذا الحديث الذي معنا وأصله في الصحيح يندب فيه النبي- r- المصلي إلى وضع السترة بين يديه، وكذلك قال- r- : (( إذا صلى أحدكم فليستتر)) فأمر بالاستتار كما في حديث أحمد في المسند، وكذلك ورد في حديث أبي هريرة- t وأرضاه- أمره -عليه الصلاة والسلام- المصلي أن يجعل بين يديه شيئاً فإن لم يجد فلينصب عصاً فإن لم يجد فليخط خطاً، وهذا الحديث يعرف عند العلماء-رحمهم الله- بـ (حديث الخط) واختلف العلماء-رحمهم الله- كما سيأتي في ثبوته عن رسول الله- r- فهذه الأحاديث كلها سنن قولية عن رسول الله- r- .
وأما السنة الفعلية فإن النبي- r- حرص على السترة حضراً وسفراً، وكانت تحمل السترة معه-عليه الصلاة والسلام- ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك خادم رسول الله- r و t- أنه قال: " كان النبي- r- يذهب إلى الخلاء فأحمل أنا وغلام نحوى إداوة من ماء وعنزة " فالعنزة كان يحملها-عليه الصلاة والسلام- من أجل أن يجعلها سترة إذا صلى، وقد بين ذلك حديث أبي جحيفة وهب بن عبدالله السوائي- t- في الصحيحين أن النبي- r- لما نزل بالأبطح أبطح مكة وذلك بعد فراغه من حجة الوداع نزل في فلاة فصلى في الأبطح-صلوات الله وسلامه عليه- قال أبوجحيفة كما في الصحيحين: " ثم ركزت له العنزة " فقوله: " ثم ركزت له العنزة " أي: جعلت سترة له-عليه الصلاة والسلام- تستره إذا صلى فهذا من فعله-عليه الصلاة والسلام- وفي الصحيح صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر- t وعن أبيه- أن النبي- r- استتر ببعيره فأناخ بعيره-عليه الصلاة والسلام- واستتر فدل هذا على مشروعية السترة بالسنة الفعلية، وفي الحديث الصحيح عن النبي- r- أنه دخل الكعبة وصلى وهو قريب من جدارها وهذا كله يدل دلالةً واضحةً على مشروعية السترة بالسنة القولية والفعلية عن رسول الله- r- .
وأجمع العلماء-رحمهم الله- على مشروعية السترة من حيث الجملة.
واختلفوا هل هي واجبة على المصلي أو ليست بواجبة على قولين:
القول الأول: فجمهور العلماء من الحنفية، والمالكية في المشهور، والشافعية، والحنابلة أن السترة ليست بواجبة على المصلي.
القول الثاني: وذهب الإمام أحمد في رواية، ويحكى عن مالك أيضاً، وهو مذهب داود الظاهري، وبعض أصحاب الحديث-رحمة الله على الجميع- إلى القول بوجوب السترة.
استدل الجمهور بأن النبي- r- صلى إلى غير سترة كما في حديث المطلب بن أبي وداعة- t وعن أبيه-، وكان من مسلمة الفتح أنه رأى رسول الله- r- يصلي مما يلي باب بني سهم وليس بينه وبينه الكعبة شيء والناس يمرون وليس بينه وبينهم شيء، فهذا يدل على مشروعية الصلاة بدون سترة. قالوا فما ورد في الأحاديث من أمره-عليه الصلاة والسلام- بالسترة مصروفاً عن ظاهره إلى الندب والاستحباب بفعل النبي- r- .
واستدل الذين قالوا بوجوبها بحديث أحمد في مسنده عن النبي- r- أنه قال: ((إذا صلى أحدكم فليستتر)) فأمر-عليه الصلاة والسلام- بالسترة، والقاعدة في الأصول: " أن الأمر للوجوب حتى يدل الدليل على صرفه عن ظاهره ".
واستدلوا بحديث الخط وفيه أن النبي- r- قال: ((إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً)) ووجه الدلالة من هذا الحديث - الذي رواه أبوداود في سننه، والنسائي، وابن ماجه، وأحمد-رحمة الله على الجميع-، وجه الدلالة منه أن النبي- r- قال: ((فليجعل)) وهذا أمر والأمر للوجوب. قالوا: فدل هذا الحديث على أن وضع السترة أمام المصلي واجب يثاب فاعله ويعاقب تاركه، فلا يجوز للمصلي إذا صلى ألا يجعل السترة أمامه إلا من ضرورة حيث لا يجد ما يستتر به قالوا: وهذا الأمر الأصل فيه أنه محمول للوجوب، وجاء حديث الترمذي الذي معنا وفيه قوله-عليه الصلاة والسلام-: ((ثم لا يضره ما مر وراءها)) يدل على أن ترك السترة يشتمل على الضرر ودفع الضرر واجب و ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
والذي يظهر والله أعلم: أن القول بوجوب السترة أقوى فهو أقوى من حيث الدليل، إضافة إلى أن المستتر يمنع المار بين يديه والمرور بين يدي المصلى فيه وعيد شديد، فمن نظر إلى المصالح المترتبة على السترة والمفاسد المندرأة بوجودها لا يشك في قوة هذا القول.
وأما حديثالمطلب بن أبي وداعة- t- ففيه مجاهيل وقد ضعفه غير واحد من العلماء-رحمهم الله- وأجاب بعض أهل العلم-رحمهم الله- عن هذا الحديث بأنه لا يمتنع أن النبي- r- كان يترك السترة لأمن المار، وحينئذ رخص بعض العلماء أن يترك المصلي السترة إذا أمن من مرور المار بين يديه قالوا وقد أمن النبي- r- المرور ثم أنه قد يصعب وضع الساتر داخل المسجد، وعلى كل حال فالحديث ضعيف، وأحاديث إسقاط السترة أضعف من الأحاديث التي أمرت بالسترة، ولذلك ينبغي للمسلم أن يحرص عليها.
http://www.shankeety.net/Alfajr01Beta/index.php?module=Publisher§ion=Topics&action=ViewTopic&topicId=272&query= وجوب%20السترة