تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

كثير ممن ينتسب إلى طلب العلم وقد أمضى في العلم ستة عشر عامًا - على أقل تقدير - وتخرج في كلية شرعية، يجد نفسه كالتائه في الصحراء، إذا قيل له: ابدأ بطلب العلم من أول الطريق، فاقرأ من "الأُصُول الثلاثة"، و"القواعد الأربعة" [10]، هو قرأ "الأُصُول الثلاثة" في المرحلة الابتدائية؛ لكن لطول العهد قد يكون نسيها؛ لأنه لم يراجعها، ولَم يحضر شروحها عند أهل العلم، ولم يقرأ شروحها المطبوعة ولا المسجلة، أو قرأها ونسيها، فهو يحتاج إلى أن يبدأ الطريق من أول خطوة؛ ليختصر له الطريق، فهو بين أمرَيْن:

الأول: إما أن يقول: أنا تخرجت في كلية شرعية، وأنا شيخ، بالمرسوم الملكي أنه تخرج في كلية الشريعة، يطلق عليه اسم شيخ، فيقف عند هذا الحد، ويستحيي ويستكبر ويستنكف أن يطلب العلم من أول الطريق، ثم ذلك يستمر في هذه المهمهة، وهذه المفازة، لا يدري أين يذهب يمينًا وشمالاً.

والثاني: إذا سمع كلامًا جميلاً لأهل العلم قال: لا بد أن أقرأ هذا الكتاب، ثم يسمع كلامًا يترك هذا الكتاب ويرجع إلى الثاني، ثم يسمع كلامًا عن كتب ابن القيم [11] فيرجع إليها، ثم يسمع ... وبهذا ينتهي عمره على لا شيء، ونجد كثيرًا مِنْ طلاب العلم يتخبَّطون في قراءاتهم، فلا ترتيب، ولا تنظيم، ولا اتِّباع للجادة المسلوكة عند أهل العلم.

فالعلم يحتاج إلى ترتيب، يحتاج إلى جدولة، فهذا الشاب الذي قرب منه مفارقة عصر الشباب - بعد أن أمضى ستة عشر عامًا في الدراسة - عنده بعض الخيوط التي يمكن أن يتشبَّث بها، وقد يشارك في بعض المسائل العلمية؛ لأنه درسها في الجامعة، مع أنه خفي عليه ما قبلها وما بعدها، فلا رابط بين العلم في صدره، مثلُ هذا يحتاج إلى أن يبدأ طلب العلم من جديد، وليس بسرٍّ أن يقال: إن بعض الخريجين بالنسبة لبعض زملائهم ممن هم معهم على كراسي الدراسة يصلح أن يكونَ شيخًا لبعض! لماذا؟

لأن هذا اهتم من أول الأمر، ووجد مَنْ يُوَجّهه في المرحلة المتوسطة في المعهد العلمي، في هذا المحضن الشرعي الذي نسأل الله - جل وعلا - له الاستمرار والقوة والمزيد من ترسيخ العلم والاهتمام بمتون العلم الأصلية، وهي موجودة - ولله الحمد - إلى الآن.

إذا وجد من يأخذ بيد طالب العلم من المرحلة المتوسطة، ووجَّهه إلى من ينفعه الحضور عنده من أهل العلم، مثل هذا - في الغالب - يسلك الطريق، لكن الإشكال فيمن لا ينتبه إلا بعد التخرُّج في الجامعة، ثم بعد ذلك توظَّف، قد يتوظف في القضاء، وقد يتوظف في منصب يقتضي أن يعرض نفسه للإفْتاء، وقد يتوظف في الدعوة، ويعرض نفسه لأسئلة الناس، ثم بعد ذلك هو بين أمرَيْن: إما أن يقول: لا أدري، في جل المسائل، وهذا حرج كبير؛ أن يأخذ راتبًا في مقابل: "لا أدري"؛ لأنه إنما وظِّف في هذا المرفق لينفع الناس.

أو تحمله نفسُه الأمَّارة بالسوء والكبر والحياء - العرفي لا الحياء الشرعي - أن يفتي بغير علم، وهو في هذه الحالة يضل نفسه ويضل الناس.

فأنا أقول من البداية: يا إخوة، لا بد أن نمسك الطريق من أوله، ونطلب العلم على الجادة، ويكون همنا تحصيل علم الوحيين: الكتاب والسنة، ولا يعني هذا أننا نقتصر على القرآن، صحيح البخاري، صحيح مسلم ... إلى آخره، لا بد أن نقرأ ما يُعيننا على فهم الكتاب والسنة، ونحن في قراءتنا للغة العربية أجرُنا كمَن يقرأ القرآن، أو يفسر القرآن، لماذا؟

لأنه وسيلة، والوسائل لها أحكام المقاصد، أنت قرأتَ اللغة العربية، لماذا؟ من أجل أن تفهم الكتاب والسنة، لك أجر من يتعلَّم الكتاب والسنة، قرأتَ في علوم الحديث لكي تعرف ما يثبت وما لا يثبت من حديث النبي - عليه الصلاة والسلام - لك أجر من يقرأ ويُقرئ الحديث؛ لأن الوسائل لها أحكام الغايات، قرأت في أصول الفقه لتعرف كيف تتعامل مع النصوص، نصوص الكتاب والسنة، فلك أجر من يتعلم ويعلم الكتاب والسنة؛ لأنك لا تتعلم هذا العلم بمفرده، نعم قد يكون بعض الناس يفني عمره في هذه الوسائل ولا يصل إلى الغايات، فمثل هذا محروم؛ لأن هذه وسائل، كمن يمشي من أجل الخُطى وأجر الخطى إلى المسجد، فإذا وصل باب المسجد وقف وما دخل، فهذه وسيلة، وأجر الخطى إنما رتِّب من أجل الصلاة، فمن خرج إلى الصلاة لا يَنْهَزُه [12] إلا الصلاةُ له بكل خطوة حسنة [13]، فإذا اقتصر على الوسيلة، مشى وقد تطهَّر في بيته، وخطا إلى المسجد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير