تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

خمسين خطوة، مائة خطوة، ألف خطوة، ثم وقف عند الباب، نقول: هذا مثل مَن يتخصص في اللغة العربية، ولا يستعمل هذه اللغة في عِلم الكتاب والسنة وفهم الكتاب والسنة، وقُل مثل هذا في كل العلوم الوسائل؛ لأن القصد من معرفة اللغة العربية فهْم الوحيَيْنِ، القصد من علوم الآلة عمومًا كيفية التعامل مع نصوص الوحيين، فليكن همُّنا الكتاب والسنة، ولا يمنع ذلك ولا يعني هذا أني أقول للإخوان: لا تقرؤوا في اللغة العربية، لا تقرؤوا في أصول اللغة، ولا في علوم الحديث، ولا في قواعد التفسير، لا، هذه أمور لا بد منها لفهم الغاية، التي هي نُصُوص الكتاب والسنة.

كيف يتعامل شخصٌ ما عرَف اللغةَ العربية مع كتاب أُنزل بلغة العرب؟ كيف يفرِّق بين الحقائق الواردة في القرآن؟ الألفاظ الواردة في القرآن: كيف يتعامل معها على أنها حقائق لغوية، أو عرفية، أو شرعية، حتى يعرف هذه الحقائق؟

فعلى طالب العلم أن يهتمَّ بهذا غايةَ الاهتمام، ويأخذ منه ما يكفيه، ولا يزيد على ذلك، قد تحتاج الأمَّة إلى متخصصين في اللغة العربية يفيدون أهلَ العلم فيما يحتاجون إليه من عويص المسائل ودقائق المسائل، لكن - والحمد لله - ما يكفي لفهم الوحيين أمرُه ميسور، يعني من قرأ الآجرومية [14] مع شروحها وحواشيها، استفاد فائدة عظيمة، والآجرومية خمس ورقات ما تزيد، ثم إن أتبعها بالقطر - "قطر الندى" - وألفية ابن مالك، فهذا نور على نور، لكن لا يكون على حساب نصوص الوحيين، ثم بعد ذلك إذا انتهى من الآجرومية، ثم القطر، ثم الألفية، تطلَّعتْ نفسه إلى ما هو أعظم من ذلك من شروح "المفصل" [15]، وشروح الكافي، وشروح كذا، لا، نقول: خذ من علم العربية ما يكفيك، وبعض الناس إذا قيل له: علم العربية، اقتصر على النحو! نقول: هذا الكلام ليس بصحيح، العربية علوم وفروع متعدِّدة، فطالب العلم يحتاج من علوم العربية كلها الاثني عشر علمًا يحتاج إليها، يحتاج علم النحو، يحتاج علم الصرف، يحتاج علم المعاني، البديع، البيان، الوضع، الاشتقاق، إلى غير ذلك من العلوم، فقه اللغة، متن اللغة، يحتاج إلى العلوم كلها، لكن مع ذلك لا تكن هذه العلوم على حساب الوحيين، لا تكن هذه العلوم على حساب الوحيين.

قد يقول قائل: إن الجامعات في هذه البلاد وغيرها، فيها أقسام للُّغة العربيَّة، معنى هذا تغلق هذه الأقسام؟! نقول: لا يا أخي، الأمَّة في أمسِّ الحاجة إلى هذه الأقسام، لكن ما الذي يمنع أن يكون التطبيق في هذه الأقسام على الكتاب والسنة؟ يعني إذا شُرح بابٌ من أبواب النحو، قال: نطبق على القرآن، ثم جاء بسورة الفاتحة، نستخرج من سورة الفاتحة ما مرَّ بنا في هذا الباب، ثم بعد ذلك الباب الثاني على مقطع من سورة البقرة، أو من قصار السور، والباب الثالث ... وهكذا.

وبهذا يُفهم الكتاب القرآن العظيم، وترسخ لغة العرب؛ لأنَّ القرآن بلغة العرب، قد يمرُّ عليه في القرآن بعض الألفاظ التي فيها اختلاف مع اللُّغة العربيَّة، فيما يقرر في قواعد العربية، يوجد منها الشيء اليسير، كلمات يسيرة في القرآن تختلف عمَّا قرَّره النُّحاة، وعلى هذا فلا بد أن نخضع النحو إلى أفصح الكلام ولا عكس، لا نتطلب إجابات وتقديرات تبعد بنا عن فهم القرآن من أجل قواعد وضعها النحو.

نقول: خير ما يُضبط به علمُ النحو التطبيقُ على القرآن، وفي "شرح الأزهرية" من بعيد أبعاد، أو هو "شرح شذور الذهب" في آخره إعراب قصار السور؛ لتمرين الطلاب على إعراب القرآن، وفهم اللغة في آن واحد.

فالآن لك عناية بالنحو، كثير من الطلاب يصاب بيأس بالنسبة لهذا العلم، يقول: قرأتُ النحو، حفظت الآجرومية والقطر والشروح، وبدأت بالألفية، لكن ما أرى لساني يعتدل؟! نقول: يا أخي، لا تيْئَس؛ لأنك بتعلُّمك هذا العلم، لا يلزم أن يُقوَّم لسانك، إلا إن كنتَ خطيبًا، أو مدرسًا، أو شيئًا من هذا، أو تُكثِر القراءة في كتب على الشيوخ الذين يصحِّحون لك ما تخطئ فيه، أما إذا لم تكن خطيبًا، ولا مدرسًا، ولا تقرأ على المشايخ، ثق ثقة تامة أن لسانك لن يعتدل.

لكن ماذا بقي لك من علم النحو؟

بقي الفائدة العظمى، وهي فهم الكلام؛ لأن علم النحو يفيدنا في أمرَيْن:

الأول: تقويم اللسان.

والثاني: فهم الكلام.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير