وقلنا إن عدم وجود الماء يمنع من وجوب الوضوء على المكلف، وهو ما يسمى بفقد الماء حقيقة، ولكن قد يوجد الماء ولا يستطيع المكلف استعماله لعذر ألمَّ به من مرض أو حرق أو غير ذلك، وهو ما يعبر عنه بفقد الماء حكمًا، ففي هذه الحالة أيضًا لا يجب على المكلف الوضوء إذا كان غير قادر على استعمال الماء، فقد نص الحنفية والمالكية على أن من شروط وجوب الوضوء القدرة على استعمال المطهر البحر الرائق، مواهب الجليل
إلا أن الفقهاء ذكروا قاعدة قيدت هذا الأمر، وهي «الميسور لا يسقط بالمعسور» [الأشباه والنظائر للسيوطي]
فإذا كان الإنسان لا يستطيع استعمال الماء في غسل عضو معين انتقل إلى البديل، ولا يسقط عنه غسل سائر الأعضاء التي يمكن غسلها، فمن كان أحد ذراعيه مقطوعًا أو محروقًا، ولا يستطيع غسله؛ فهذا لا يسقط الغسل عن الذراع الآخر
وجود الحدث يرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة أن وجود الحدث الموجب للوضوء شرط لوجوب الوضوء الموسوعة الفقهية؛ لقوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ " المائدة. فالسبب في وجوب الوضوء إرادة الصلاة مع وجود الحدث قال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم مُحْدِثُون [الاختيار لتعليل المختار]
البلوغ اتفق الفقهاء على أن البلوغ شرط لوجوب الوضوء، فلا يجب على الصبي لعدم تكليف القاصر [الموسوعة الفقهية]؛ لقوله «رُفع القلم عن ثلاثة عن الصغير حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ» أبو داود وصححه الألباني
دخول وقت الصلاة ذهب المالكية والحنابلة إلى أن من شروط وجوب الوضوء دخول وقت الصلاة الحاضرة، وذهب الحنفية إلى أن شروط وجوب الوضوء ضيق الوقت، وقالوا إن هذا الشرط للوجوب المضيق؛ لتوجيه الخطاب مضيقًا حينئذ وموسعًا في ابتدائه، بمعنى أن وجوب الوضوء موسع لدخول الوقت كالصلاة، فإذا ضاق الوقت صار الوجوب فيهما مضيقًا
خامسًا شروط صحة الوضوء
عموم البشرة بالماء الطهور اشترط الفقهاء لصحة الوضوء أن يعم الماءُ العضوَ المغسول؛ فإذا لم يعم الماء البشرة لم يصح الوضوء [مراقي الفلاح]
زوال ما يمنع وصول الماء إلى البشرة اتفق الفقهاء على أن من شروط صحة الوضوء زوال المانع من وصول الماء إلى الجسد؛ لكونه جرمًا كشمع وشحم وعجين وطين وغير ذلك الموسوعة الفقهية وذلك لأنه لا يتحقق معنى المسح أو الغسل للعضو إلا بذلك، فإن عدم وصول الماء إلى البشرة يمنع من إطلاق اسم المسح أو الغسل على ذلك العضو
انقطاع الحدث حال الوضوء اتفق الفقهاء على أن انقطاع الحدث حال الوضوء شرط لصحة الوضوء؛ لأنه بخروج بول أو ريح أو غير ذلك من نواقض الوضوء لا يصح الوضوء [المصدر السابق بتصرف]
النية وقد اختلف الفقهاء في عدّ النية شرطًا أو ركنًا للعبادات؛ فذهب الحنابلة إلى أن النية شرط لصحة الوضوء؛ لحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي قال «إنما الأعمال بالنيات» البخاري أي لا عمل إلا بالنية، ولأن الوضوء عبادة، ومن شروط العبادة النية
وفي النية للعبادات بوجه عام خلاف مشهور سيأتي بيانه في بحث مستقل فيما يتعلق بالنية من أحكام
هذا ما تيسر لي جمعه فيما يتعلق بشروط الوضوء، وقد أعرضت عن ذكر بعضها لضعف مستنده، وأسأل الله العظيم أن ينفع بما ذكرناه فهو نعم المولى ونعيم النصير
ـ[عبدالملك السبيعي]ــــــــ[10 - 07 - 10, 12:17 ص]ـ
أحكام الوضوء صفة وضوء النبى صلى الله عليه وسلم
جماد الآخر 1431هـ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد
¥