فقد تكلمنا في العدد السابق عن شروط الوضوء، واليوم نتحدث عن كيفية الوضوء، والأصل في بيانه قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ " المائدة، فقد نصت الآية على أركان الوضوء، ثم جاءت السنة لتبين لنا كيفية أداء هذه الأركان.
ومدار صفة وضوء النبي على عدة أحاديث؛ رواها عنه جمع من الصحابة، وليس هناك مجال لسردها جميعًا، ولكنا نكتفي بحديث من أجمع الأحاديث في وصف وضوء النبي كاملاً، ثم نذكر مواضع الاستشهاد من الأحاديث الأخرى بحسب الحاجة إليها، والمنصف عليه أن يجمع هذه الأحاديث جنبًا إلى جنب حتى يصل إلى الحق.
أخرج مسلم في صحيحه أن حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَخْبَرَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه دَعَا بِوَضُوءٍ؛ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ الْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» مسلم، وأصل الحديث متفق عليه. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ عُلَمَاؤُنَا يَقُولُونَ هَذَا الْوُضُوءُ أَسْبَغُ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ أَحَدٌ لِلصَّلاَةِ.
أولاً كيفية الوضوء شاملة الواجبات والسنن
أول ما يبدأ به المرء إذا أراد الوضوء أن ينوي، والنية محلها القلب، ولا يصح الجهر بها، ثم ينطق بالبسملة ثم يغسل كفيه ثلاثًا، ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاثًا، ثم يغسل وجهه ثلاثًا، ثم يغسل يده اليمنى ثلاثًا، ثم يده اليسرى ثلاثًا، ثم يمسح برأسه، ثم يغسل رجله اليمنى إلى الكعب ثلاثًا، ثم رجله اليسرى إلى الكعبين ثلاثًا
ثانيًا معرفة حكم هذه الأفعال حسب ترتيبها
النية
ذهب أكثر أهل العلم إلى أن النية واجبة في الوضوء، سواء من قال منهم بكونها ركنًا من أركان الوضوء، أو من قال بأنها شرط من شروطه؛ فالجميع متفقون على أن الوضوء بدونها لا يصح؛ لقوله «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّات، وإَنمَا لكل امْرِئٍ مَا نَوَى» الحديث البخاري
التسمية على الوضوء
ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين، وأهل الظاهر، إلى أن البسملة واجبة في الوضوء لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لاَ صَلاَةَ لِمَنْ لاَ وُضُوءَ لَهُ، وَلاَ وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ» أبو داود وصححه الألباني. قالوا والحديث يدل على وجوب التسمية في الوضوء؛ لأن الظاهر أن النفي للصحة لكونها أقرب إلى الذات وأكثر لزومًا للحقيقة [نيل الأوطار للشوكاني بتصرف]
وذهب جمهور الفقهاء إلى أن التسمية في أول الوضوء مستحبة، واحتجوا لذلك بأن الروايات التي عليها مدار صفة وضوء النبي لم يُذكر فيها التسمية، وأكثر هذه الروايات كانت على جهة التعليم، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فدل ذلك على أن قوله في حديث أبي هريرة «ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه» يتوجه إلى نفي الكمال لا نفي الصحة والإجزاء، وما ذهب إليه جمهور الفقهاء هو الأرجح لقوة دليلهم.
غسل الكفين
اتفق الفقهاء على استحباب غسل اليدين إلى الرسغين في ابتداء الوضوء؛ للأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي، ومنها حديث عثمان بن عفان المتقدم، وفيه «دعا بإناء فأفرغ على كفيه ثلاث مرات فغسلهما» متفق عليه
¥