حكمه اتفق الفقهاء على أن مسح الرأس من فروض الوضوء التي لا يصح الوضوء إلا به؛ لقوله تعالى " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ " الآية
وللأحاديث الواردة في وصف وضوء النبي، ومنها حديث عثمان بن عفان، وفيه «ثم مسح برأسه» متفق عليه ولإجماع الفقهاء على ذلك [الموسوعة الفقهية]
القدر المجزئ في مسح الرأس ذهب المالكية في المشهور والحنابلة في إحدى الروايتين عن أحمد إلى وجوب مسح كل الرأس، وذهب الجمهور إلى عدم وجوب مسح كل الرأس، وإن كان يستحب عندهم مسح كل الرأس؛ لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
احتج من قال بوجوب مسح كل الرأس بقوله تعالى " وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ "، والرأس حقيقة اسم لجميعه، والبعض مجاز، والأصل في الكلام حمله على الحقيقة، وبحديث عبد الله بن زيد، وفيه «ومسح رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ به» متفق عليه
والحديث وإن كان حكاية فعل إلا أنه جاء لبيان المجمل في الآية، وبيان المجمل الواجب واجب [نيل الأوطار للشوكاني]
قال الشوكاني «والإنصاف أن الآية ليست من قبيل المجمل، والحقيقة لا تتوقف على مباشرة آلة الفعل بجميع أجزاء المفعول، كما لا تتوقف في قولك «ضربت عمرًا» على مباشرة الضرب لجميع أجزائه للكل أو للبعض، وليس النزاع في مسمى الرأس، فيقال هو حقيقة في جميعه، بل النزاع في إيقاع المسح على الرأس، والمعنى الحقيقي للإيقاع يوجد بوجود المباشرة، ولو كانت المباشرة الحقيقية لا توجد إلا بمباشرة الحال لجميع المحل لقل وجود الحقائق في هذا الباب
والحاصل أن الوقوع لا يتوقف وجود معناه الحقيقي على وجود المعنى الحقيقي لما وقع عليه الفعل، وهذا منشأ الاشتباه والاختلاف، فمن نظر إلى جانب ما وقع عليه الفعل جزم بالمجاز، ومن نظر إلى جانب الوقوع جزم بالحقيقة، وبعد هذا فلا شك في أولوية استيعاب المسح لجميع الرأس، وصحة أحاديثه، ولكن دون الجزم بالوجوب مفاوز» [نيل الأوطار]
كيفية مسح الرأس ورد المسح كما ذكرنا دون تفصيل في بعض الأحاديث، ومفصلاً في البعض الآخر، ومنها حديث عبد الله بن زيد المتقدم، وفيه أن رسول الله مسح رأسه بيده، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه الحديث متفق عليه
فهذه الرواية بيَّنت أن المسح يبدأ من ناصية الرأس باليدين حتى يصل إلى منتهى الرأس من الخلف وهو القفا، ثم يرجع بهما مرة أخرى إلى الناصية، وتعتبر هذه مسحة واحدة، ولا يعتبر الشعر المسترسل الخارج عن حد الرأس من الرأس؛ فلا يجزئ المسح عليه فقط، حتى عند من يقول بأن الواجب مسح بعض الرأس. ومنهما حديث الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذِ ابْنِ عَفْرَاءَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ تَوَضَّأَ عِنْدَهَا؛ فَمَسَحَ الرَّأْسَ كُلَّهُ مِنْ قَرْنِ الشَّعْرِ، كُلَّ نَاحِيَةٍ لِمُنْصَبِّ الشَّعْرِ، لاَ يُحَرِّكُ الشَّعْرَ عَنْ هَيْئَتِهِ» أبو داود وحسنه الألباني
وهذه الرواية جاءت بكيفية أخرى لمسح الرأس، لا يتغير فيها الشعر عن هيئته التي يكون عليها قبل المسح
هل يسن تكرار مسح الرأس؟ اختُلف في هذه المسألة على قولين
أحدهما أنه يستحب مسح الرأس ثلاثًا كسائر الأعضاء، واحتجوا بما رواه أبو داود من حديث عثمان أن النبي مسح رأسه ثلاثًا رواه أبو داود وصححه الألباني
الثاني أن السنة في مسح الرأس أن تكون مرة واحدة، واحتجوا بالروايات الكثيرة التي ورد فيها ذكر صفة وضوء النبي، وفيها إطلاق مسح الرأس مع ذكر تثليث غيره من الأعضاء، أو ذكر مسح الرأس مرة واحدة مع تثليث غيره من الأعضاء
قال الإمام الشوكاني «فالإنصاف أن أحاديث الثلاث لم تبلغ درجة الاعتبار حتى يلزم التمسك بها؛ لما فيه من الزيادة، فالوقوف على ما صح من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما هو المتعين، لاسيما بعد تقييده في تلك الروايات السابقة بالمرة الواحدة، وحديث «من زاد على هذا فقد أساء وظلم» أبو داود وصححه الألباني بالمنع من الزيادة على الوضوء الذي قال بعده النبي هذه المقالة نيل الأوطار
¥