تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الناس وصنوفهم.

الكلام حول حديث أم هانئ رضي الله عنها في دخول النبي صلى الله عليه و سلم مكة

لا شك أن تعلق الحكم الشرعي بالنص هو تعلق حتمي وجوبي، إذا الحكم التكليفي مستمده من النص، أو ما كان عائدا إلى النص (الإجماع والقياس)، ولا يقوم مدلول النص من حيث الإلزام به أو عدمه إلا إذا قامت قطعية ثبوته، فإن مرجع الأحكام عائد إلى صحة النص من حيث الثبوت، وقطعي الدلالة من حيث الناظر فيه، فإنه من الممكن اختلاف دلالة طائفتين في نص صحيح، فيفهمه كل مجتهدٍ ناظرٍ بحَسَب ما يفتح الله عليه، ولا خلاف أن القواعد لا ترسى إلا على بسيطة صحيحة، ولهذا قيل (أثبت العرش ثم انقش)، ومسألتنا تقوم على أصل وهو ما سنتكلم فيه، لأن الاستدلال بالضعيف عند أولي التحقيق ضعيف، والكلام حول هذه الجزئية معروفة في كتب أهل الحديث.

وقد قام اعتماد من رأى عقد رأسه على حديث أم هانئ رضي الله عنها أنها رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح عليه أربع غدائر أي ضفائر، وسأشرع في المقصود بعون الله تعالى في بيان صحة الحديث من ضعفه:

هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد في المسند برقم (27429) و (26934) و (27430) والترمذي في السنن (1781) وفي الشمائل (28) و (31)، وأبو داود (4191) وابن ماجه (3631) والبيهقي في دلائل النبوة (159) والطبراني في المعجم الكبير (1048) وابن أبي شيبة في المصنف باب في اتخاذ الجمة والشعر/حديث فتح مكة مسند إسحاق بن راهويه (1902) وابن سعد في الطبقات (1/ 429) في ذكر شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كلهم من طريق ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَلَهُ أَرْبَعُ ضَفَائِرَ.

فكل الأسانيد تلتقي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد عن أم هانئ رضي الله عنها، وبالنظر إلى تراجم الأئمة هؤلاء نجد أن الإمام العَلم مجاهد بن جبر المكي المتوفى سنة (103) على المشهور عن عُمْرٍ يناهز الثمانين والذي عاش في مكة واستقر آخر حياته بالكوفة قد أدرك ردحا من حياة الصحابية الجليلة أم هانئ بنت أبي طالب القرشية الهاشمية أخت علي بن أبي طالب التي توفيت في زمن معاوية رضي الله عنه، ورضي الله عن آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة أجمعين، ولكن الإشكال الذي يُطرح هل ثبت سماع الإمام مجاهد بن جبر من أم هانئ رضي الله عنها؟

فكل الأسانيد التي معنا لم يصرح الإمام مجاهد بالسماع من أم هانئ رضي الله عنها، بل قد ثبت خلاف هذا الأمر وهو ما نقل الحافظ أبو عيسى الترمذي عقيب ذكر الحديث عن الإمام الحجة أمير المؤمنين في الحديث محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: "لَا أَعْرِفُ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعًا مِنْ أُمِّ هَانِئٍ." (14) ولذلك حكم عليه الحافظ الترمذي بالغرابة في موطن من جامعه، وفي موطن ذكر أنه حسن، وقد عُُلّل صنيع الترمذي رحمه الله تعالى بأنه تمشية لعنعنة غير المدلس على مذهب جمهور المحدثين، قال الشيخ الحافظ أبو العلا المباركفوري: "فإن قلتَ كيف حسن الترمذي الحديث مع أنه قد نقل عن الامام البخاري أنه قال لا أعرف لمجاهد سماعا من أم هانئ؟ قلت: لعله حسنه على مذهب جمهور المحدثين فإنهم قالوا إن عنعنة غير المدلس محمولة على السماع إذا كان اللقاء ممكنا وإن لم يعرف السماع والله تعالى أعلم." (15)

ويمكن أن يقال أيضا: إن صنيع الترمذي رحمه الله تعالى بالحكم على الحديث بالحسن في أحد الموضعين وتعليله في الموضع الآخر دليل على تشكيكه في الإسناد والتردد فيه، فإن هذا من صنيعه –رحمه الله تعالى- في جامعه، كيف وقد نقل العلة عن شيخه البخاري، فالحكم على صنيعه بكونه أراد تمشية لعنعنة غير المدلس أمرٌ فيه نظر والله أعلم؛ وكل من احتج بالحديث كان تعليله ما ذكره المباركفوري رحمه الله تعالى من تجويز سماع غير المدلس ممن روى عنه من غير تصريح للسماع مع إمكانية اللقاء، ولهذا تجد الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى يحسنه كما في الفتح عند باب التلبيد رقم الحديث (5568) ومشى على هذا غير واحد، ولكن المتعارف على أن هذا الأمر راجع إلى عدم تنصيص الأئمة على رواية الراوي بالعنعنة عمن يحتمل أن يسمع منه، وهذا خلاف ما وقع في سند هذا الحديث، كيف وقد نص أمير المؤمنين في الحديث الإمام البخاري رحمه الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير