تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تعالى الذي عُرف بالدقة والاستقراء لروايات أهل العلم، حتى اصطفى منها صحيحه الجامع الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، فإن مثل هذا الحكم الصادر من هذا الإمام الجهبذ في عدم معرفته سماع الإمام مجاهد بن جبر من أم هانئ لدليل كافٍ على انقطاع السند بينهما، بلها دليل على عدم صحة الحديث أصلا، وإن من المتعارف أن مثل البخاري ومن شاكَلَه من أهل التحقيق – غالبا – لا يطلقون الحكم جزافا من غير روية وتتبع، ولا يزال أهل العلم يبنون قواعد الجرح والتعديل على أقوالهم التي امتازت بالدقة مع الورع الظاهر دفاعا عن حياض السنة من الشوائب والعوائب، زد على هذا فقد أشار الحافظ ابن القطان الفاسي في كتابه (بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام) في موضعين إلى ضعف هذا الحديث، ففي (2/ 402) في تعليقه على حديث رقم (408) قال عقيب حديث أم هانئ رضي الله عنها: " كذا ذكره (عبد الحق الإشبيلي)، ولم يعرض له بأكثر من هذا، والترمذي قد حكى إثره عن البخاري أنه قال: لا أعرف لمجاهد سماعاً من أم هانئ، وهو عنده من رواية مجاهد عنها فاعلمه.".

وقال في (5/ 813) من كتاب اللباس بعدما ساق حديث أم هانئ رضي الله عنها قال: "وحسنه (الإشبيلي) ولم يذكر علته التي لا يصح لأجلها، وهي الانقطاع."

فنبه في الموضع الأول على أن الرواية من طريق مجاهد عن أم هانئ، وفي الموطن الثاني ذكر علتها وهي الانقطاع، بناء على ما صرح به البخاري رحمة الله، وكذلك حكم الحافظ الذهبي على رواية مجاهد عن أم هانئ بالانقطاع (16)، وقال في موضع من تاريخه:"لم يدرك مجاهد أم هانئ. وقيل: سمع منها وذلك ممكن." (17)

وبهذا يعلم أن مدار الإسناد على هذا الانقطاع، وحسب ما تقتضيه القواعد الحديثية فإن تنصيص الأئمة على راو أو رواية معينة معيار الاستقرار والتتبع لها، ولهذا فإن صنيع البخاري رحمه الله تعالى قد بُني على تتبع هذه الجزئية من حيث كون السماع مُنْتَفٍ حتى يثبت عكسه، وإلا صار حكم الأئمة ذريعة لكل متهفِّك جاهل، يرد ويذر منها ما شاء، فكيف الكلام في فن الحديث وكيف الكلام في تنصيص البخاري رحمه الله تعالى.

زد على هذا كله فإن الثابت الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه المِغْفَر، ففي الصحيحين (18) عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال له يا رسول الله ابن أخطل متعلق بأستار الكعبة فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم اقتلوه."

وعند مسلم (19) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء."، وليس بين الخبرين تضاد لمن توهمه، وإنما كل راو قد حدث بما عاين مما كان على رأسه يوم دخول مكة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الحافظ ابْن حبَان فِي «صَحِيحه» (20) فِي حَدِيث أنس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَكَّة وَعَلَى رَأسه المغفر» قَالَ: وَفِي خبر جَابر هَذَا «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دَخلهَا وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء» قَالَ: وَلم يدْخل عَلَيْهِ السَّلَام مَكَّة بِغَيْر إِحْرَام إِلَّا مرّة وَاحِدَة وَهُوَ يَوْم الْفَتْح. قَالَ: وَيُشبه أَن يكون الْمُصْطَفَى عليه الصلاة والسلام فِي ذَلِك الْيَوْم كَانَ عَلَى رَأسه المغفر وَقد تعمم بعمامة سَوْدَاء فَوْقه، فَإِذا جَابر ذكر الْعِمَامَة الَّتِي عاينها وَإِذا أنس ذكر المغفر الَّذِي رآه من غير أَن يكون بَين الْخَبَرَيْنِ تضَاد." انتهى.

ولم يذكر أي راو أنه عليه الصلاة والسلام كانت عليه ضفائر، لا سيما وقد ثبت في الصحيحين كما في حديث أنس المتقدم أنه عليه الصلاة والسلام نزع مغفره، فأتاه آت أن ابن الأخطل متعلق بأستار الكعبة، ومثل هذه الجزئيات التي تخصه عليه الصلاة والسلام كثيرا ما يذكرها الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، فكيف خفيت والناس في مثل هذا الجمع؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير