وقد وصف الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين شَعْرَ النبي صلى الله عليه وسلم في مختلف الصور، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه يصف النبي صلى الله عليه وسلم - قال: كان رَبعة من القوم ليس بالطويل ولا بالقصير أزهر اللون ليس بأبيض أمْهَق (21) ولا آدم (22) ليس بجَعْدٍ قَطَط (23) ولا سَبْط (24) رَجِل أنزل عليه وهو ابن أربعين (يعني القرآن). (25)
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنه رأيته في حلة حمراء لم أر شيئا قط أحسن منه. (26)
عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه عن شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجِلا ليس بالسبط ولا الجعد بين أذنيه وعاتقه. (27)، وفي رواية: "كان يضرب شعرُه منكبيه". (28)
وكان يَفرق شعره بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَسدل شعره وكان المشركون يَفرقون رؤوسَهم، فكان أهل الكتاب يَسدلون رؤوسهم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء، ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسَه. (29)
فانظر -رحمني الله وإياك- كيف كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب عظيم له، حتى ما تركوا شيئا من صفاته الخُلقية والخَلْقية إلا وذكروها كما هو معروف، وجُلّ ما ذكرنا من الأحاديث ثابتة في الصحيحين من غير مطعن فيها، وأما الضفائر أو الغدائر فلم يأت لها ذكر في صفته عليه الصلاة والسلام إلا في حديث أم هانئ المتقدم، فلو كان الأمر على عادته صلى الله عليه وسلم لنقل لنا ما يعضد هذا الفعل، ولعل البعض يورد ما ذكر الحافظ ابن حجر في الفتح مشيرا أن عقد الضفائر كانت متعلقة بحال السفر غالبا، قال الحافظ:" أخرج أبو داود والترمذي بسند حسن من حديث أم هانئ قالت قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة وله أربع غدائر وفي لفظ أربع ضفائر وفي رواية ابن ماجة أربع غدائر يعني ضفائر والغدائر بالغين المعجمة جمع غديرة بوزن عظيمة والضفائر بوزنه فالغدائر هي الذوائب والضفائر هي العقائص فحاصل الخبر أن شعره طال حتى صار ذوائب فضفره أربع عقائص وهذا محمول على الحال التي يبعد عهده بتعهده شعره فيها وهي حالة الشغل بالسفر ونحوه والله أعلم." (30)
وفي هذا التعليل نظر، فكم سافر النبي صلى الله عليه وسلم وكم غزى وحارب، ولم ينقل عن أحد من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أنه عليه الصلاة والسلام كان يعقد في سفره غدائر أو يربط عقائص، ولربما كان في حالة الحرب والخوف أحوج إلى هذا من غيره، إذ يبعد بالمحارب أن يعتني بشعره لما يجد من فزع وتأهب للقتال، ولكن الأمر باق على الأصل، وهو ستر الرأس المتعارف عليه في سفرهم وحروبهم، ولو كان الأمر كما ذكر لجاءت الروايات بذكره، فإيراد العلة من غير دليل أمر معلٌّ والله أعلم.
بقي من الكلام أن يقال: قد روى الطبراني في المعجم الصغير من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كانت للنبي صلى الله عليه و سلم أربع ضفائر في رأسه" قال الهيثمي في مجمع الزوائد (14044): رجاله ثقات.
وذكر الواقدي في مغازيه (31) (2/ 868) قَالَ: وحدثني علي بن يزيد، عن أبيه، عن عمته، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ضفرت رأس النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة أربع ضفائر، فلم يحله حتى فتح مكة ومقامه بمكة، حتى حين أراد أن يخرج إلى حنين حله وغسلت رأسه بِسِدْر". فما جوابكم؟
الجواب يكون على النحو التالي:
أما حديث أنس بن مالك رضي الله عنه فقد رواه الطبراني في الصغير (1006) ومن طريقه الضياء المقدسي في المختارة (2491) قال آخر إسناده صحيح! قال حدثنا محمد بن إدريس الحلبي حدثنا سهل بن صالح الأنطاكي حدثنا وكيع عن همام بن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك قال: كانت للنبي صلى الله عليه و سلم أربع ضفائر في رأسه. لم يروه عن قتادة إلا همام ولا عنه إلا وكيع تفرد به سهل بن صالح.
ومحمد بن إدريس الحلبي، هو محمد بن إدريس بن الحجاج بن أبي حمادة أبو بكر الحلبي الأنطاكي، له ترجم في تاريخ دمشق (51/ 265) ومختصره (21/ 355) وتاريخ الإسلام (21/ 252) والمجمع (8/ 281) (32) ولم يذكر بجرح ولا تعديل.
¥