تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

المدينة فقال: لا إلا من كان ظهره حاضرا، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر وجاء المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتقدمنَّ أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه، فدنا المشركون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟ قال: نعم قال: بَخٍ بَخٍ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحملك على قولك بَخٍ بَخٍ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها فأخرج تمرات من قَرَنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، قال فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل." (47)

فذكر في الحديث أنه أخرج تمرات من قرنه، وليس المراد قرن الشعر وإنما شيء آخر وهو ما ذكر النووي رحمه الله تعالى في شرح مسلم (4950) قال: (من قرنه) هُوَ بِقَافٍ وَرَاء مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ نُون، أَيْ: جُعْبَة النُّشَّاب، وَوَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ الْمَغَارِبَة فِيهِ تَصْحِيف."

وقال السيوطي في حاشيته على مسلم (4950):" (من قرنه) بفتح القاف والراء ونون جعبة النُّشّاب وروي بضم القاف وسكون الراء وموحدة قال النووي وهو تصحيف."

مسألة حكم ضفر الشعر

إن قيام الفتوى مبنية على حجية الدليل، ولهذا فإن الأئمة وأهل الاجتهاد ينظرون إلى صحة النص في بيان ما يرتبط به من الأحكام الشرعية، فنجد على سبيل المثال أن بعض العلماء جوز للرجل أن يعقد ضفائر لشعره بناء على صحة حديث أم هانئ رضي الله عنها، ولكن الأمر المتفق عليهم بينهم – وهو بيت القصيد- أن الأمر ليس على إطلاقه، لأن فعله عليه الصلاة والسلام الجِبِلّي الذي يرتبط بعاداته وتقاليده لا يُلزم المرء بفعلها، كما لا يلزم المرء بتركها إلا بالقيد المتقدم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد بفعله تبين حكم شرعي تتبعه الأمة في ذلك، وحتى لو كان فعله صلى الله عليه وسلم يتأسى به ولكن المراد بالفعل خصوصا ما أريد به التشريع لا الأمور العرفية في زمنه عليه الصلاة والسلام، فلا بد من التفريق بين أمرين أساسين:

الأمر الأول: الأفعال التي يقصد بها التشريع، وهي التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم على وجهِ تَبينِ الحكم الشرعي له وللناس كافة، فإن مبناها على التوقف في حكمها وهيأتها، ومن ادعى أن شيئا مما قد جعله الله تعالى حُكما لعباده فعليه بالدليل، فإن الأحكام قد تمت وقد كملت وإلا فهو داخل في قوله عليه الصلاة والسلام:" من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد." (48)

والأمر الثاني: ما كان من سنن العادات وهي الأفعال التي تعارف عليها الناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وصارت شعارا لتقاليدهم وأحوالهم، فهي مبنية على الإباحة استصحابا لأصلها، ولا يحرم منها إلا ما دل الدليل على تحريمها أو تحريم جزئية منها، فللإنسان أن يلبس ما يشاء ويأكل ما يشاء ويعمل ما يشاء من مختلف الحرف والصناعات ولكن بشرط أن لا يخالف عادة الناس وما تعارفوا عليه، فلو أن أحدا خرج في بلدة قد تعارفوا على لبس العمائم البيض، وقد لبس عمامة سوداء، فهذا ولو كان قصده التأسي بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قد خالف الجمع الغفير وجلب الأنظار إليه وأعان الناس على اغتيابه، ولا يقولنَّ أحدٌ إنما هو يطبق السنة ولو ضحك عليه الناس، لأن إثبات أن الفعل سنة مناطٌ بدليله وهذا ما يخرجنا عن مبحثنا ألا وهو العادات دون العبادات؛ فالواجب على المرء أن يفقه الفرق الدقيق بين القضيتين، فكون الشيء فعله النبي صلى الله عليه وسلم لا ينافي جواز التأسي (49) به لأن الله تعالى يقول (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21) ولكن الأسوة مقيدة بعرف الناس فيما يقيد بأعرافهم، وإلا لخرجت الفهوم عن نطاق المشروع، وليأتينَّ من السفهاء من يرى أن السكن في الخيم وركوب النوق خير من المباني والسيارات لأنه من الأسوة به عليه الصلاة والسلام، وهذا مخالف تماما لمقصد الشريعة في إباحة الشيء لبني البشر بشرط عدم ورود المحظور، وإلا لفسدت مصالح الناس في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير