تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو زيد الشنقيطي]ــــــــ[09 - 08 - 10, 04:17 م]ـ

- وفي مَسأَلةِ إفطار الحاجِمِ والمُحتَجِمِ وخلافِ العلمَاءِ القَائمِ فيه حيثُ يرى الشَّيخُ حفظهُ الله تعالى أنَّ قولهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {أفطَرَ الحاجمُ والمُتجِمُ} من أقوى ما يُحمَلُ عليهِ من المعاني أنَّهما أوشَكا على الفِطرِ , كما يقالُ: أصبحتَ أصبحتَ بمعنى: كدتَّ تُصبحُ , كما في حديث ابن أم مكتوم 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {وكان لا يؤذن إلا إذا قيل له: أصبحتَ أصبحتَ}.

كمَا قَوَّى الشيخُ حفظهُ اللهُ ما أشار إليه الإمام ابن حزم الظاهري وغيره- من أن حديث {أفطر الحاجم والمحجوم} كان في أول الإسلام ثم نُسخ.

- وفي مسألةِ من بالغَ في المضمضةِ والاستنشاقِ يرى الشيخ أنَّهُ يُعتَبرُ مفطراً خلافاً لما ذهب إليه بعضُ أهل العلمِ من أنَّ من بالغَ فدخل الماء في حلقه لم يفسد صومُهُ , والشيخُ يرى فساد الصوم أحوطَ القولين استناداً لحديث لقيط بنصبرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً} , ولأنَّ المبالغَ تعاطى أسباب الإخلال بالصوم فلزمهُ فسادُ صومه.

- وفي مسألة من أكَلَ أو شربَ ظانا بقاءَ الليلِ ثُمَّ ظهر لهُ أنَّ النهار قد طلعَ , يرى الشيخُ حفظه الله أنَّ أصحَّ قولي العلماءِ هو أنَّ من حصلَ لهُ ذلك فعليه القضاء؛ لأنه تعاطى سبباً فيه تقصير؛ فألزم بعاقبة التقصير، ولأنه لو تحرى لتبين له أن الفجر قد طلع، فلما قصَّر أُلزم بعاقبة تقصيره، فلزمه القضاء؛ لأن الله تعالى أوجب عليه أن يمسك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وهذا لم يمسك من طلوع الفجر إلى غروب الشمس حقيقة.

- وفي مسألة من أكل ظاناً غُروب الشمس أو شاكاً متردداً فيها فتبيَّنَ لهُ بقاءُ النَّهار فهو عند الشيخِ كالأوَّلِ مُلزَمٌ بالقضاءِ لأنَّهُ قد دلت أصول الشريعة على مطالبته بالقضاء؛ و لأنه لم يصم اليوم على وجهه؛ ولأنه قصر، إذ لو تحرى كمال التحري لتبين له أن النهار ما زال باقياً؛ ولأنه حق لله عز وجل لا يسقط بالظن الخاطئ، فيلزمه القضاء.

فائِدةٌ للمُؤذِّنِينَ:

إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب في رمضان خطأً، وأفطر الناس على أذانه قبل الغروب، فهل عليهم القضاء أثابكم الله؟

A

إن المؤذنين مؤتمنون على صيام الناس، ويتحملون هذه الأمانة ويسألون عنها بين يدي الله عز وجل، وقد أشار النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إلى ذلك في حديث أحمد و أبي داود في السنن عن أبي هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: سمعت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يقول: {الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن}.

قالوا: فقوله: (والمؤذن مؤتمن) أي: مؤتمن على صيام الناس؛ لأنه يؤذن للإمساك ويؤذن للفطر؛ فإذا تساهل المؤذن ولم يتحر ولم يضبط الوقت بأذانه خاصة في الفجر وفي المغرب فإنه يتحمل إثم كل من أفطر بأذانه، خاصة إذا كان ذلك على سبيل الاستهتار والتلاعب، وتجده يتسحر ويأكل، ولربما خرج من بيته وقد دخل الفجر ولا يؤذن إلا بعد الوقت المعتبر بعشر دقائق أو خمس دقائق.

فمثل هذا آثم شرعاً، خائن للأمانة التي حمله الله إياها، خاصة إذا كان معيناً ويعطى راتباً على ذلك، فإنه يعتبر ماله فيه نوع من الحرمة؛ لأنه أخل بأمانته التي كوفئ عليها، ولذلك تجتمع عليه المظالم من وجوه: منها: أنه يعرض صيام الناس للفطر، وحينئذ يكون آثماً بإثم هؤلاء الذين أفطروا على أذانه، وهم معذورون إذا كانوا لا يعلمون بالحقيقة.

وعلى هذا: فالأمر على المؤذنين شديد، فينبغي على الأئمة أن يتفقدوا مؤذني مساجدهم، وأن ينصحوا لعامة المسلمين، وأن ينتبهوا لهذا الأمر، وألا يتساهل الإمام مع مؤذنه، فإذا رأى المؤذن يقصر في مثل هذا فإنه ينصحه ويذكره، فإذا لم ينتصح ولم يذكر فإنه يجب عليه أن يرفع أمره إلى من يردعه ويمنعه عن هذا.

وهكذا أهل الحي فإنه يحرم عليهم السكوت على المؤذنين الذين يتساهلون في مواقيت الصلاة، فإذا سكتوا على ذلك فهم شركاء لهم في الإثم، إذ لا يجوز التساهل في مثل هذه الأمور؛ لأنها تضيع حقوق الله عز وجل، خاصة في نهار رمضان، بل ينبغي أخذ الأمر بالحزم والاحتياط في صيام الناس، وبذل جميع الأساليب لكي يقع الأذان في وقته المعتبر.

وإذا كان عند المؤذن ظرف أو يخشى النوم فإنه يأمر من يوقظه، أو يعهد إلى شخص أمين إذا غاب أو تأخر يؤذن للناس، ويقيم لهم هذه الفريضة على وجهها، فهذا الأمر يعتبر أمانة في أعناق المؤذنين، وعلى الأئمة مسئولية، وعلى الجماعة الذين يصلون في هذا المسجد أو يسمعون الأذان أيضاً مسئولية ألا يسكتوا على تلاعب المؤذنين، وقد تساهل الكثير في هذا الزمان، ولقد سمعت بأذني حتى في المدينة، لربما تسمع الإنسان يؤذن قبل الحرم مع أن مسجده قريب من الحرم، وقد سمعت من يؤذن قبل الحرم بسبع دقائق، بل سمعت بأذني من أذن قبل أذان الحرم بربع ساعة! وهذا كله يدل على الاستخفاف وعدم المبالاة بحقوق الله عز وجل، وإلى الله المشتكى في ضياع هذه المسئوليات العظيمة.

فلذلك ينبغي الحزم في مثل هذه الأمور، وعدم التساهل مع المؤذنين، وإذا كان المؤذن يتساهل في أذانه فيؤخر الأذان في السحور ويعجل الأذان في المغرب فإنه ينبغي نصحه وتوجيهه وتذكيره بالله، وتخويفه من عذاب الله، وأن هؤلاء الناس أمانة في عنقه، وأنه إذا تساهل وهو يعلم أن الوقت قد ذهب وفرط فإنه يلزم بهذا التفريط، ويحمل بين يدي الله إثم من أفطر على أذانه أو تسبب في فطره، سواء كان أذان الفجر أو كان أذان المغرب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير