عبادَ الله، بركةُ الرزق ليست بكثرتِه، ولكن بركةُ الرزق أمرٌ يجعله الله في قلبِ العبد، فيرضَى بما قسَم الله له، "قد أفلح من أسلم، ورزِق كفافا، وقنّعه الله بما آتاه" [1].
أيّها المسلم، جاء في الكتابِ والسنّة بيانُ أسبابِ بركةِ الرزق، فالرّزق قد يبارك للعبد فيه، وقد لا يبارَك للعبد فيه، قد يعطَى مالاً كثيرًا، ولكن ينزع الله البركةَ منه، فلا ينفعه ولا يفيده، (يَمْحَقُ ?للَّهُ ?لْرّبَو?اْ وَيُرْبِى ?لصَّدَقَـ?تِ) [البقرة:276].
أيّها المسلم، إنّ من أسباب بركةِ الرّزق تقوَى الله جلّ وعلا في كلّ الأحوال، (وَمَن يَتَّقِ ?للَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2، 3]، (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ?لْقُرَى? ءامَنُواْ وَ?تَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـ?تٍ مّنَ ?لسَّمَاء وَ?لأرْضِ) [الأعراف:96]، ويقول موسى عليه السلام في دعائه: (رَبّ إني لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) [القصص:24].
ومِن أسبابِ بركة الرزق صلةُ الرحم، ففي الحديث: "من أحبَّ أن يُنسَأ في أثره ويبسَط له في رزقه فليصِل ذا رحمِه" [2].
ومن أسباب بركة الرزق الإنفاق في وجوه الخير والصدقةُ على المساكين والمُعوِزين، قال تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ ?لرَّازِقِينَ) [سبأ:39].
وأحسِن إلى عبادِ الله يحسِن الله إليك، قال تعالى: (وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ?للَّهَ يُحِبُّ ?لْمُحْسِنِينَ) [البقرة:195]، "ومن فرّج عن مسلم كربةً من كرَب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرَب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة" [3].
فبركة الرزق في الدنيا أن يخلفَ الله عليك عوضَه، وبركته في الآخر ما ينالك من الثواب العظيم، في يومٍ أنت أحوج فيه إلى مثقال ذرّة من خير.
أيّها المسلم، إنّ الله جلّ وعلا حذّر المسلمين من أن يكونَ نجواهم فيها بينهم ظلمًا وعدوانًا، قال تعالى: (ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَـ?جَوْاْ بِ?لإِثْمِ وَ?لْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ ?لرَّسُولِ وَتَنَـ?جَوْاْ بِ?لْبِرّ وَ?لتَّقْوَى? وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ ?لَّذِى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [المجادلة:9، 10].
أيّها المسلم، فالمسلمون فيما بينهم سرًّا وعلانية أمرُهم واضح ومنهجُهم سليم وسرّهم وعلانيتهم على وفق واحد، فإنّ إيمانهم صادق ظاهرًا وباطنًا، وأخلاقُهم أخلاقُ الصّدق، وأعمالهم أعمالُ الحقّ، ترى أعمالَهم واضحة، وترى أمورَهم جليّة، لا يظهِر لك أمرًا ويخفي عليك غيرَ ذلك، ولذا قال الله لهم: إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلاَ تَتَنَـ?جَوْاْ بِ?لإِثْمِ وَ?لْعُدْوَانِ، لا تكن مناجاتُكم وأحاديثكم وأمورُكم إثمًا وعدوانًا، فإنّكم إذا تناجيتُم بالإثم والعدوان صِرتم سببَ شرّ وبلاء، بل تكون لقاءاتكم دائمًا لقاءاتِ خير ولقاءات برّ وتعاونٍ على كلّ خير تسعد به الأمّة في حاضرها ومستقبلها.
أمّا أولئك المندسّون بين الأمّة، الذين امتلأت قلوبهم مرضًا وحقدًا على الإسلام وأهله، فهؤلاء تراهم في الظاهر معك، ولكن في باطنِ أمورهم يتناجَون بالإثم والعدوان، مناجاتُهم فيما يخطّطونه وفيما يبرِمونه من مؤامرة ضدَّ الإسلام وأهله، إنهم إن لم يُعلَم بهم فهم في غيّهم وفي ضلالهم وفي كيدِهم للإسلام وأهله. فهم ـ والعياذ بالله ـ قلوبٌ مريضة، لا تطمئنّ ولا تهنأ إلا بالمكيدة للإسلام وأهله، الحقدُ ملأ قلوبهم، وطاعةُ الأعداء حكمتهم، ومدُّهم يدَ العون مع الأعداء جعلتهم يعيشون في هذا المستنقَع السيّئ.
أيّها المسلم، فلا يليق بك أن تتآمرَ ضدَّ أمّة الإسلام، ولا أن تبغيَ للإسلام وأهله الغوائل، ولا يليق بك أن تكونَ مجالسك الخاصّة مجالسَ سوء ومجالسَ تعاونٍ على الإثم والعدوان.
أولئك الذين يختفون عن أنظار النّاس، وإنما يطيب لهم ما يطيب لهم عندما يجتمِعون فيما بينهم، فحدِّث ما شئتَ عن مكرِهم وخِداعهم، ولكنّ اللهَ بالمرصاد لمن أراد السوء، (وَلاَ يَحِيقُ ?لْمَكْرُ ?لسَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ) [فاطر:43]. فهؤلاء ـ والعياذ بالله ـ لا خيرَ فيهم، ولكنّ الله يفضحُهم ويهتك أستارهم؛ لأنّ أمرهم خطير وشرّهم مستطير.
¥