تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويتمثَّلَ في ذلك قول الله تعالى {ثُمَّ جَعَلناكَ عَلَى شَريعَةٍ مِنَ الأمرِ فاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذينَ لاَ يَعْلَمُونَ} , ولا أجِدُ حَرَجاً وأنَا أزعُمُ أنَّ مِمَّن يشملُهم وصفُ (الَّذينَ لاَ يَعْلَمُونَ) المُخرِجونَ ومُهندِسوا الصوتِ ومُلاَّكُ القَنَواتِ وأهلُ التَّربيةِ الحديثَةِ الذينَ يُفَصِّلُونَ ليلبَسَ بعضُ ضعافِ الدُّعاةِ ويتبنَّونَ وسائلَ وطُرقاً في الدَّعوةِ أقصَى ما تُزَكَّى بهِ أنها من تفصيل الَّذينَ لاَ يَعْلَمُونَ.

- لا بُدَّ من أن يُحيطَ بعضنا نفسهُ علماً بأنَّ الشططَ في الوسائلِ وإن حُمدت غاياتُها لا يختلفُ كثيراً عن الشططِ في الغاياتِ ذاتها , فلا يكفي في زكاةِ الوسائلِ حمدُ مقاصِدها , ولذا قال ابنُ القيمِ رحمه الله {مَدَارُ اعتِلالِ القلُوبِ وأسقَامِهَا عَلى أَصْلَيْنِ: فَسَادِ العِلمِ وفَسَادِ القَصْدِ}.

وقَد ذكرَ الشاطبي رحمه الله أنَّ تبليغَ الدِّينِ وحِفظَهُ لا يتقيَّدُ بوسيلةٍ , ولولا ذلك ما اتُّخِذتِ المَصَاحِفُ , لكنَّهُ وغيرهُ لا يتردَّدونَ في منعِ الوسائلِ الفاسدةِ التي يُخالفُ بعضُها مقصودَ الدَّعوةِ وغايَتَها ويصُدُّ عنها أكثرَ ممَّا يجلبُ بها.

ولابن تيميةَ رحمه الله تعالى تفصيلٌ نفيسٌ جداً في موضوعٍ شبيهِ بما يتناقشُ فيه الإخوةُ يومَ سُئلَ رحمه الله عَنْ " جَمَاعَةٍ " يَجْتَمِعُونَ عَلَى قَصْدِ الْكَبَائِرِ: مِنْ الْقَتْلِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. ثُمَّ إنَّ شَيْخًا مِنْ الْمَشَايِخِ الْمَعْرُوفِينَ بِالْخَيْرِ وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ قَصَدَ مَنْعَ الْمَذْكُورِينَ مِنْ ذَلِكَ فَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ لَهُمْ سَمَاعًا يَجْتَمِعُونَ فِيهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ وَهُوَ بِدُفِّ بِلَا صَلَاصِلَ وَغِنَاءِ الْمُغَنِّي بِشِعْرِ مُبَاحٍ بِغَيْرِ شَبَّابَةٍ فَلَمَّا فَعَلَ هَذَا تَابَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ وَأَصْبَحَ مَنْ لَا يُصَلِّي وَيَسْرِقُ وَلَا يُزَكِّي يَتَوَرَّعُ عَنْ الشُّبُهَاتِ وَيُؤَدِّي الْمَفْرُوضَاتِ وَيَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ. فَهَلْ يُبَاحُ فِعْلُ هَذَا السَّمَاعِ لِهَذَا الشَّيْخِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ الْمَصَالِحِ؟ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ دَعْوَتُهُمْ إلَّا بِهَذَا؟

فأجاب جواباً طويلاً ضمَّنهُ بعضَ القواعدِ النفيسةِ ومنها:

- مَعْلُومٌ أَنَّمَا يَهْدِي اللَّهُ بِهِ الضَّالِّينَ وَيُرْشِدُ بِهِ الْغَاوِينَ وَيَتُوبُ بِهِ عَلَى الْعَاصِينَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيمَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِلَّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مَا بَعَثَ اللَّهُ بِهِ الرَّسُولَ - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ لَكَانَ دِينُ الرَّسُولِ نَاقِصًا مُحْتَاجًا تَتِمَّةً.

- َالْعَمَلُ إذْ اشْتَمَلَ عَلَى مَصْلَحَةٍ وَمَفْسَدَةٍ فَإِنَّ الشَّارِعَ حَكِيمٌ. فَإِنْ غَلَبَتْ مَصْلَحَتُهُ عَلَى مَفْسَدَتِهِ شَرَعَهُ وَإِنْ غَلَبَتْ مَفْسَدَتُهُ عَلَى مَصْلَحَتِهِ لَمْ يُشَرِّعْهُ.

- مَا يَرَاهُ النَّاسُ مِنْ الْأَعْمَالِ مُقَرِّبًا إلَى اللَّهِ وَلَمْ يُشَرِّعْهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؛ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ضَرَرُهُ أَعْظَمَ مِنْ نَفْعِهِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ نَفْعُهُ أَعْظَمَ غَالِبًا عَلَى ضَرَرِهِ لَمْ يُهْمِلْهُ الشَّارِعُ؛ فَإِنَّهُ - - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - - حَكِيمٌ لَا يُهْمِلُ مَصَالِحَ الدِّينِ وَلَا يُفَوِّتُ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُقَرِّبُهُمْ إلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ثمَّ قال رحمه الله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير