تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهجر الثلاثة المخلفين؛ لما ظهر من صدقهم في عدم اختلاق الأعذار؛ وذلك لتربيتهم، وظهر صدق توبة كعب رضي الله عنه في رفضه لعرض ملك غسان .. فلا تكون هذه المعاملة قاعدة ثابتة، ولا تصلح مع كل أحد.

ولم يول خالد بن الوليد رضي الله عنه في أول إسلامه مع شهرته في القيادة، وجعله جنديا تحت قادة هو أولى بالقيادة منهم من الجهة العسكرية، وما أرى ذلك -والله أعلم- إلا تربية له؛ ليكون إسلامه لله تعالى ولا حظ فيه لشيء من الدنيا والهوى ... فلما صح ذلك من خالد رضي الله عنه ولم يتضعضع أنزله النبي عليه الصلاة والسلام منزلته اللائقة به وولاه وقال: سيف من سيوف الله ([24])، ولما أخطأ تبرأ من خطئه (وقال اللهم أبرأ إليك مما فعل خالد) ([25]) لكنه لم يهدره ولم يعزله. وهكذا فعل الصديق رضي الله عنه، فلما تولى عمر خشي أن يفتن الناس به فعزله ولم يهدر منزلته بل أمر أبا عبيدة أن يستشيره في الحرب.

وأعطى المؤلفة قلوبهم وترك الأنصار، والأنصار أسلموا ولم يريدوا من الدنيا شيئا، لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما أسلموا ما كان عنده شيء، بل خاطروا بدنياهم لأجله، وهذا من أبين الأدلة على تمكن الإيمان من قلوبهم، فعاملهم بحسب إيمانهم.

والمخطئون في معاملة من أخطأ من النابهين على طرفين: فطرف يداهنهم في دين الله تعالى لإرضائهم، ويوافقهم في بعض باطلهم بزعم أن يقبلوا الحق الذي عنده، وهي طريقة من يظنون أنهم من أهل التيسير، وهم في الحقيقة أهل التمييع والمداهنة في دين الله تعالى مع الكفار والمنافقين والمنحرفين، ولما ساومت قريش رسول الله على دينه أنزل الله تعالى سورة الكافرون؛ ليعلم الناس أنه لا مساومة على دين الله تعالى، وحسم النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر فقال: فَمَاذَا تَظُنُّ قُرَيْشٌ، والله أني لاَ أَزَالُ أُجَاهِدُهُمْ على الذي بعثني الله له حتى يُظْهِرَهُ الله له أو تَنْفَرِدَ هذه السَّالِفَةُ ([26]) يعني: رقبته الشريفة.

وطرف آخر يجفوهم ولا يأبه بهم، وإذا أخطئوا عنف عليهم وتجاوز في انتقاده لهم، فتخسرهم الأمة بسبب هذه المواقف التي يمكن اجتنابها. وينتج عن خروجهم من صف الدعوة مفاسد أهمها:

1 - ربما خسارتهم لدينهم، كمن ألحدوا أو انتهجوا مناهج الشك، أو صححوا أديان الكفار، نسأل الله تعالى العافية

2 - خسارة الأمة لطاقات نابهة.

3 - استخدام أعداء الإسلام لهم، وتجييشهم ضد الدعوة والدعاة من أوجه:

أ -الاستفادة مما لديهم من معلومات شرعية للطعن في الشريعة أو للاستدلال على ما يريدون من انحراف الناس، وقد رأينا بعد موجات الارتداد والانقلاب أن كثيرا من وسائل الإعلام التي تدعو الناس إلى الفساد والثورة على الدين صارت تعرض من النصوص والأقوال ما يؤيد شبهاتها، وكل هذا إنما يؤخذ من هؤلاء المنقلبين على أعقابهم سواء كان مباشرة وبأقلامهم أم بواسطة.

ب -محاولة إقناع المترددين بهؤلاء الذين سبقوهم إلى الانحراف، وخاصة أنهم يصفونهم بالجراءة والشجاعة والتحرر من التقليد، ويلقون في أنفسهم بأنهم رواد وطلائع للتغيير وللنهضة المنتظرة.

ت -الصد عن دين الله تعالى، كأنهم يقولون لمن يريد الاستقامة على دين الله تعالى والانتظام في سلك الصالحين: هؤلاء جربوا الطريق قبلك.

ث -كشف عورات المسلمين، بذكر ما رأوا على الصالحين والدعاة والعلماء من هفوات وزلات لا يسلم منها بشر، وتضخيمها والكذب عليها. ومن ذلك اتهام الجمعيات الخيرية أو حلقات التحفيظ أو المراكز الصيفية ونحوها.

ج -بث الشبهات في دين الله تعالى، فكثير منهم حضروا مجالس العلماء والدعاة، ويعرض فيها بعض المسائل الخلافية والمشكلة، أو التي يثيرها الخصوم فيتلقفها فإذا انقلب صار يشغب بها على العلم والعلماء والدعوة والدعاة، وقد أخذها منهم.

السبب الرابع: اختيار أضعف ما عند الخصوم من أصحاب الفرق الضالة أو التيارات الفكرية المنحرفة والرد عليه، والإلقاء في روع الأتباع أن الشبهة انتهت وأن حجة الخصم سخيفة أو ضعيفة وهي في واقع الأمر ليست كذلك، فمع الانفتاح الإعلامي والثقافي صار الشاب يطلع على ما عند الآخرين، وإذا هو ليس ضعيفا كما صوره شيخه، بل فيه قوة، ويحتاج في رده إلى حجة، فينحرف بسبب ضعف جواب شيخه، أو يجد شبهات أخرى لم يتعرض لها شيخه.

أسباب التثبيت على الحق:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير