معَ أنَّ فضيلتهُ في عام 1410هـ أقامَ الدُّنيا ولم يُقعِدها وتصدَّعت علاقتهُ الأخويةُ بالجيرانِ بسبب إصرارهِ على رفعِ الأذانِ الأوَّلِ حياً على الهواء بصوتهِ الجهوريِّ الذي كان يقضُّ مضاجعَ الزَّمْنَى والصبيانِ وأصحاب الخفقانِ القلبيِّ وغيرهم , ويتَّهمُ كلَّ معارضيهِ من أهل الحيِّ بأنَّهم مبغضونَ للسنَّةِ ويحذِّرهم من أن يشملهم قولهُ تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} , ولم يتنبَّه فضيلتُهُ إلى أنَّ بلالاً 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - الذي كان يؤذن بليلٍ كانَ نديَّ الصوتِ وأن الفقهاء قدَّموا في الأذانِ نديَّ الصوتِ على غيرهِ تعظيماً لهذه الشعيرةِ وحِرصاً على مشاعر السامعينَ من المؤمنينَ والمؤمناتِ النَّائمينَ , وأنَّ ترويعَ المسلمِ مما لا يختلفُ فيهِ اثنانِ , ولكنَّ العجَبَ ليسَ في أذانِ فضيلة الشيخِ الأول وتنفله إلى طلوع الفجر وجلوسه حتى الإشراقِ , إنَّما العجبُ في تركهِ لكل ذلكَ وقد أذاع وأشاعَ عدمَ وجوب الجماعةِ مطلقاً , واتَّخذ لنفسهِ حادثةَ صفوانَ 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - ذريعةً يسهرُ بها إلى ما بعد منتصفِ الليلِ ولا يقوم حتى موعد دوامه , إلا في فصل الشتاء ففضيلتهُ يقومُ كالدِّيكِ مبكراً ويتناسى قولَهُ إنَّا لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس , مع أنَّ الذي يلعبُ دور اليقظة أو عدمها هو وقت الدَّوامِ الرسميِّ.!!
ثُمَّ:
أحرجَ الشيخُ زوجتهُ التي تزوَّجتهُ وهو في عنفوانِ شبابهِ وحماستهِ وتديُّنهِ ورضيهُ أبوها حسنَ ظنِّ منهُ بلحيته الكثة ومظهر السنةِ البادي على ثوبهِ وسواكه ونوافله وصيامه إضافةً إلى حضوره مناسبات العشاء في بيوت كبار أهل العلمِ حتى وإن لم يكن مدعواً لأنَّهُ يرى نفسه أحد أبناء البيت.
أصبحَ الشيخُ يحرجُ هذه الدَّينَةَ التقيَّةَ بشذوذاتهِ الفقهية والفكرية ويكرِهُها على مجالسة غيرِ المحارمِ تحتَ ذريعة جواز الاختلاطِ , ويُعرِّفها في المطاراتِ إذا صادفَ بعضَ المعجَبينَ قائلاً هذه حرمي المصون أم المقداد المُدلَّع بـ (مقاميقو).
وأحرجَ بناتِهِ المُتزوِّجاتِ - وأختهنَّ الكبرى التي عضَلها أيامَ الحماسةِ النَّاريَّة -اللائي كُنَّ مضربَ المثلِ في الحجابِ وكبُرنَ وتزَوَّجنَ قبل أن تعصفُ أعاصيرُ العصرنةِ بأبيهنَّ فأصبحَ يمنعنَّ من تغطية اليدينِ ويعيبُ عليهِ جرَّ ذيولهنَّ وإرخاءها على الأرضِ ويعيِّرنها بعاملاتِ البلديةِ لطول ذيولهنَّ مع أن فضيلته أرسَلَ ثوبهُ حتى صارَ حرَّاثَةً خلفَهُ , وهو معتصمٌ في إسبالهٍ ببعضِ الإيراداتِ والشُّبَه التي هي أوهى من بيت العنكبوتِ فواعجبي للتناقضِ المقزز في مثل هذه المواقف.
بل وربَّما مازحهنَّ فوصفهن بالإرهابياتِ حتى خشينَ على صبيتهنَّ من التأثر نفسياً بهذا المرح الثقيل , فأصبحن يتخففنَ من الأطفالِ عند زيارة والدهنَّ دفعاً للعنت.
فمن يقولُ للشيخِ نيابةً عنِّي وعنهنَّ وعن إمامِ المسجدِ وأهل الحيِّ وطلبةِ الكليَّةِ والمشاركينَ معهُ في مساهمة الإبل والبيض وقد دلَّس عليهم (عَيبٌ عَلَيكَ يا فَضِيلةَ الشيخِ)
تَنبِهٌ مهمٌّ:
- إنَّ من أهمِّ أسباب الانتكاسةِ غُلُوُّ البعضِ في التَّدَيُّنِ , وأعني بذلكَ الغُلُوَّ عند الشَّارِعِ الحكيمِ , وليسَ الغُلُوَّ في رأي أهلِ الشَّارِعِ الذين يرَونَ وقاية الأهلِ من النَّارِ والحفاظَ على الجماعاتِ وغِشيانَ مجالسِ العلم ومجافاةَ الجرائرِ والمناكر غلاص وتزمُّتاً وحشيةً.!
وقد بيَّنَ رسولنا المعصومُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهو الذي لا ينطقُ عنِ الهَوى أنَّ الغُلُوَّ منفذهُ واحدٌ لا ثانيَ لهُ فمن سارَ في طريقِ الغُلوِّ فليسَ أمامهُ إلا بوَّابةُ الهَلاكِ اللغويِّ والاصطلاحيِّ {وإياكم والغلو في الدين، فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين}.
بل بيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ الغاليَ الطاغيَ لا ينتظرُ إلا غضبَ الله تعالى {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي}
وفي قوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {ولن يشاد الدين أحد إلاّ غلبه} قال ابن جحر 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {والمعنى لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلاّ عجز وانقطع فيغلب} , وقال ابن رجب 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {والتسديد العمل بالسداد، وهو القصد والتوسط في العبادة، فلا يقصر فيما أمر به ولا يتحمل منها مالا يطيقه}.
وعند مسلم في صحيحه من حديثِ ابن مسعود 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - {هلك المتنطعون} قالها ثلاثا.
قال الإمام النووي 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - {هلك المتنطعون: أي المتعمقون المغالون المجاوزون الحد في أقوالهم وأفعالهم}.
- كما أنَّ من أهمِّ أسبابِ الانتكاسَةِ تركَ العمَلِ بالعِلمِ , ومن أرادَ شفاءَ الغليلِ في هذا البابِ فدونهُ كتاب الخطيبِ البغداديِّ (اقتضاءُ العلمِ العملَ) فهو بيانٌ شافٍ لهذا الباب.
والله تعالى أعلمُ.
¥