تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد كان لمن شهد بدراً مزيةً لم يشاركهم أحد فيها ـ فقد قال النّبي - صلى الله عليه وسلم- لعمر: «وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكم» رواه البخاري ومسلم.

وإن كانت ذنوبهم مغفورةً؛ فإن ذلك لم يمنع من إقامة الحدود على من استوجبه منهم ..

وقد ذكرت شيئاً من ذلك في مقالي "شرح الصدرـ بفوائد حديث: «لعلّ الله قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ». فراجعه.

وقد عايش سلفنا الصّالح هذا المنهج وطبقوه في حياتهم ..

فهذا الإمام أبي عبدالله محمّد بن إدريس الشافعي - رحمه الله تعالى- كان محبّاً لشيخه الإمام مالك بن أنس- رحمه الله تعالى- حتى كان يقول عنه: «مالك بن أنس أستاذي، ومنه تعلمنا العلم، وإذا ذكر العلماء فمالك النّجم، وما أحد أمنّ عليّ من مالك، وعنه أخذت العلم.»

وكان يقول: «جعلت مالكاً حجّة بيني وبين الله» "ترتيب المدارك" 1/ 514

قال يونس بن عبد الأعلى، سمعت الشافعي يقول: «لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز» كما في "الحلية" (9/ 70)

ومع هذا لما قدم الشافعي إلى مصرـ ورأى من أتباع مالك ما رأى- فقال: «قدمت مصر، ولا أعرف أن مالكاً يخالف من أحاديثه إلاّ ستة عشر حديثاً، فنظرت، فإذا هو يقول بالأصل ويدع الفرع، ويقول بالفرع ويدع الأصل» "توالي التأسيس" ص (76)

أمّا ما كان بين الإمام أحمد وابن المديني ويحي بن معين فمن أعجب العجب!

فقد قال حنبل: سمعت أبا عبد الله يقول: «كان أعلمنا بالرجال يحيى بن معين .. وأحفظنا للطوال علي.» السير (11/ 87)

وقال عبدالله بن الإمام أحمد: «قال أبي: كان علي"ابن المديني" علماً في الناس في معرفة الحديث والعلل» السير (11/ 54)

ومع هذا قال سعيد بن عمرو البرذعي: سمعت الحافظ أبا زرعة الرازي: يقول: «كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمار، ولا عن يحيى بن معين، ولا عن أحد ممن امتحن فأجاب .. » السير 11/ 56

قال المروذي: «سمعت رجلاً من أهل العسكر يقول لأبي عبد الله: ابن المديني يقرئك السلام، فسكت.!!» السير (11/ 55)

وقد كانت للإمام الذهبي تعليقات حسان، بأسلوب خلاّب،؛ حيث قال رحمه الله: «قلت: هذا أمر ضيق ولاحرج على من أجاب في المحنة، بل ولا على من أكره على صريح الكفر عملاً بالآية.

وهذا هو الحق.

وكان يحيى -رحمه الله- من أئمة السنة، فخاف من سطوة الدولة، وأجاب تقية» "السير" (11/ 87)

وقد كان لشيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم تأصيلات عظيمة، وتوضيحات مهمة سديدة ..

قال شيخ الإسلام - يرحمه الله -: «ولهذا فضل الخلفاء الراشدون على سائر الناس، وفضل من فضل من أمهات المؤمنين على سائر النساء، لأن الله أمر الخلفاء بما لم يأمر به غيرهم، فقاموا من الأعمال الصالحة بما لم يقم غيرهم بنظيره، فصاروا أفضل وكذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال الله لهن: ? يَا نِسَاء النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً ? وهن ولله الحمد قنتن لله رسوله، وعملن صالحاً، فاستحققن الأجر مرتين، فصرن أفضل لطاعة الأمر، لا لمجرد الأمر، ولو قدّر والعياذ بالله أن واحدة تأتي بفاحشة مبينة لضوعف لها العذاب ضعفين .. » اهـ من "منهاج السنة" (4/ 368)

وقال أيضاً: «وتعلمون أيضاً أنّ ما يجرى من نوع تغليظ أو تخشين على بعض الأصحاب والإخوان، فليس ذلك غضاضةً ولا نقصاً في حق صاحبه، ولا حصل بسبب ذلك تغير منا ولا بغض، بل هو بعد ما عومل به من التغليظ والتخشين، أرفع قدراً وأنبه ذكراً وأحب وأعظم .. وإنما هذه الأمور هي من مصالح المؤمنين التي يصلح الله بها بعضهم ببعض، فإنّ المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى، وقد لا ينقلع الوسخ إلاّ بنوع من الخشونة، لكن ذلك يُوجب من النظافة والنعومة ما نحمد معه ذلك التخشين .. » اهـ. من مجموع "الفتاوى" (28/ 53)

وقال ابن القيم -يرحمه الله-: «فإن الرجل كلما كانت نعمة الله عليه أتم، كانت عقوبته إذا ارتكب الجرائم أتم .. » إعلام الموقعين (2/ 129)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير