تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال أيضا.:" فقواعد الشرع تقتضي أن يسامح الجاهل بما لا يسامح به العالم، وأنه يغفر له مالا يغفر للعالم، فإن حجة الله عليه أقوم منها على الجاهل، وعلمه بقبح المعصية، وبغض الله لها، وعقوبته عليها، أعظم من علم الجاهل، ونعمة الله عليه بما أودعه من العلم أعظم من نعمته على الجاهل، وقد دلت الشريعة وحكم الله على أن من حبي بالإنعام، وخص بالفضل والإكرام، ثم أسام نفسه مع ميل الشهوات، فأرتعها في مراتع الهلكات، وتجرأ على انتهاك الحرمات، واستخف بالتبعات والسيئات، أنه يقابل من الانتقام والعتب بما لا يقابل به من ليس في مرتبته .. ولهذا كان حدّ الحر ضعف حدّ العبد في الزنا، والقذف وشرب الخمر لكمال النعمة على الحر!!.» اهـ. من "مفتاح دار السعادة" (1/ 176)

وقال أيضاً: «يحتمل من الجاهل مالا يحتمل من العارف، وإذا عوقب الجاهل ضعفاً عوقب العارف ضعفين، وقد دلّ على هذا شرع الله وقدره. ولهذا كانت عقوبة الحر في الحدود مثلي عقوبة العبد! .. فإذا كملت النعمة على العبد فقابلها بالإساءة والعصيان، كانت عقوبته أعظم؛ فدرجته أعلى وعقوبته أشد .. » اهـ. من "مدارج السالكين" (3/ 344)

السؤال الذي يلح بطرح نفسه:

كيف نجمع بين شدة المعاتبة والمعاقبة" وبين قاعدة " المسامحة" و"المعاذرة" .. ؟

قال ابن القيم - رحمه الله -: «فإن قيل: قد ذكرتم: أن المحب يسامح بما لا يسامح به

غيره، ويعفى للولي عما لا يعفى لسواه، وكذلك العالم أيضاً يغفر له ما لا يغفر للجاهل .. فهذا الذي ذكرتم صحيح، وهو مقتضى الحكمة والجود والإحسان، ولكن ماذا تصنعون بالعقوبة المضاعفة التي ورد التهديد بها في حق أولئك، إن وقع منهم ما يكره .. ؟

فالجواب: أن هذا أيضاً حق ولا تنافي بين الأمرين، فإن من كملت عليه نعمة الله، واختصه منها بما لم يختص به غيره في أعطائه منها ما حرمه غيره فحبي بالإنعام وخص بالإكرام وخص بمزيد التقريب وجعل في منزلة الولي الحبيب، اقتضت حاله من حفظ مرتبة الولاية والقرب والاختصاص: بأن يراعي مرتبته من أدنى مشوش وقاطع؛ فلشدة الاعتناء به ومزيد تقريبه واتخاذه لنفسه واصطفائه على غيره تكون حقوق وليه وسيده عليه أتم، ونعمه عليه أكمل، والمطلوب منه فوق المطلوب من غيره، فهو إذا غفل وأخل بمقتضى مرتبته نبه بما لم ينبه عليه البعيد البراني مع كونه يسامح بما لم يسامح به ذلك أيضاً، فيجتمع في حقه الأمران، وإذا أردت معرفة اجتماعهما وعدم تناقضهما فالواقع شاهد به فإن الملك يسامح خاصته وأولياءه بما لم يسامح به من ليس في منزلتهم، ويأخذهم ويؤدبهم بما لم يأخذ به غيرهم؛ وقد ذكرنا شواهد هذا وهذا، ولا تناقض بين الأمرين، وأنت إذا كان لك عبدان أو ولدان أو زوجتان أحدهما: أحب إليك من الآخر وأقرب إلى قلبك وأعز عليك: عاملته بهذين الأمرين واجتمع في حقه المعاملتان بحسب قربه منك وحبك له وعزته عليك فإذا نظرت إلى كمال إحسانك إليه وإتمام نعمتك عليه: اقتضت معاملته بما لا تعامل به من دونه من التنبيه وعدم الإهمال وإذا نظرت إلى إحسانه ومحبته لك وطاعته وخدمته وكمال عبوديته ونصحه: وهبت له وسامحته وعفوت عنه بما لا تفعله مع غيره فالمعاملتان بحسب ما منك وما منه، وقد ظهر اعتبار هذا المعنى في الشرع حيث جعل حد من أنعم عليه بالتزوج إذا تعداه إلى الزنا: الرجم وحد من لم يعطه هذه النعمة الجلد وكذلك ضاعف الحد على الحر الذي قد ملكه نفسه، وأتم عليه نعمته، ولم يجعله مملوكاً لغيره وجعل حد العبد المنقوص بالرق الذي لم يحصل له هذه النعمة نصف ذلك، فسبحان من بهرت حكمته في خلقه وأمره وجزائه عقول العالمين وشهدت بأنه أحكم الحاكمين ..

لله سر تحت كل لطيفة ... فأخو البصائر غائص يتملق

» اهـ. من"مدارج السالكين (1/ 333)

أسباب ومقاصد هذه الشدة؟

وقد يقول قائل، ما هي أسباب ومقاصد هذه الشدة التي حصلت من بعض أهل العلم؟

أقول: ممكن تخريج هذه الأفعال والأقوال بما يلي:

الحجة نصّ أوإجماع في مسائل النزاع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير