تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[24 - 05 - 04, 12:50 ص]ـ

وفي المجلد الثالث والعشرون من مجموع الفتاوى للإمام ابن تيمية رحمه الله

هل قنوت الصبح دائماً سنة؟ ومن يقول: إنه من أبعاض الصلاة التي تجبر بالسجود، وما يجبر إلا الناقص. والحديث (ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت حتى فارق الحياة): فهل هذا الحديث من الأحاديث الصحاح؟ وهل هو هذا القنوت؟ وما أقوال العلماء في ذلك؟ وما حجة كل منهم؟ وإن قنت لنازلة: فهل يتعين قوله، أو يدعو بما شاء؟

/فأجاب:

الحمد للَّه رب العالمين، قد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قنت شهراً يدعو على رَعْل وذَكْوان وعصية، ثم تركه. وكان ذلك لما قتلوا القراء من الصحابة.

وثبت عنه أنه قنت بعد ذلك بمدة بعد صلح الحديبية، وفتح خيبر، يدعو للمستضعفين من أصحابه الذين كانوا بمكة. ويقول في قنوته: (اللهم، انج الوليد بن الوليد، وعياش بن أبي ربيعة، وسلمة بن هشام، والمستضعفين من المؤمنين. اللهم، اشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف). وكان يقنت يدعو للمؤمنين، ويلعن الكفار، وكان قنوته في الفجر.

وثبت عنه في الصحيح أنه قنت في المغرب والعشاء، وفي الظهر، وفي السنن أنه قنت في العصر ـ أيضاً?. فتنازع المسلمون في القنوت على ثلاثة أقوال:

أحدها: أنه منسوخ، فلا يشرع بحال، بناء على أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت، ثم ترك، والترك نسخ للفعل، كما أنه لما كان يقوم للجنازة، ثم قعد. جعل القعود ناسخاً للقيام، وهذا قول طائفة من أهل العراق كأبي حنيفة وغيره.

/والثاني: أن القنوت مشروع دائماً، وأن المداومة عليه سنة، وأن ذلك يكون في الفجر.

ثم من هؤلاء من يقول: السنة أن يكون قبل الركوع بعد القراءة سراً، وألا يقنت بسوي: اللهم، إنا نستعينك. . . إلى آخرها، واللهم، إياك نعبد، إلى آخرها، كما يقول: مالك.

ومنهم من يقول: السنة أن يكون بعد الركوع جهراً. ويستحب أن يقنت بدعاء الحسن بن على الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم قي قنوته: (اللهم اهدني فيمن هديت. . .) إلى آخره. وإن كانوا قد يجوزون القنوت قبل وبعد. وهؤلاء قد يحتجون بقوله تعالى: {حَافِظُواْ على الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَي وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، ويقولون: الوسطى: هي الفجر، والقنوت فيها. وكلتا المقدمتين ضعيفة:

أما الأولى: فقد ثبت بالنصوص الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة الوسطي هي العصر، وهذا أمر لا يشك فيه من عرف الأحاديث المأثورة. ولهذا اتفق على ذلك علماء الحديث وغيرهم. وإن كان للصحابة والعلماء في ذلك مقالات متعددة، فإنهم تكلموا بحسب اجتهادهم.

/وأما الثانية: فالقنوت هو المداومة على الطاعة، وهذا يكون في القيام، والسجود. كما قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ} [الزمر: 9]. ولو أريد به إدامة القيام كما قيل في قوله: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي} [آل عمران: 43]، فحمل ذلك على إطالته القيام للدعاء، دون غيره، لا يجوز؛ لأن الله أمر بالقيام له قانتين، والأمر يقتضي الوجوب، وقيام الدعاء المتنازع فيه لا يجب بالإجماع؛ ولأن القائم في حال قراءته هو قانت للَّه ـ أيضاً ـ ولأنه قد ثبت في الصحيح: أن هذه الآية لما نزلت أمروا بالسكوت، ونهوا عن الكلام. فعلم أن السكوت هو من تمام القنوت المأمور به.

ومعلوم أن ذلك واجب في جميع أجزاء القيام؛ ولأن قوله: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، لا يختص بالصلاة الوسطي. سواء كانت الفجر أو العصر؛ بل هو معطوف على قوله: {حَافِظُواْ على الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَي وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]، فيكون أمرا بالقنوت مع الأمر بالمحافظة، والمحافظة تتناول الجميع، فالقيام يتناول الجميع.

واحتجوا ـ أيضاً ـ بما رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في صحيحه، عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم ما زال يقنت حتى فارق الدنيا قالوا: وقوله في الحديث الآخر: ثم تركه، أراد ترك الدعاء على تلك / القبائل، لم يترك نفس القنوت.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير