[التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء]
ـ[احمد القصير]ــــــــ[27 - 04 - 04, 01:34 ص]ـ
[التحقيق في سماع الأموات لكلام الأحياء]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فهذا بحث فيه تحقيق مسألة سماع الأموات لكلام الأحياء، عرضت فيه الأدلة، وأقوال العلماء في المسألة، اسأل الله بمنه وفضله أن ينفع به كاتبه وقارئه.
وقد جعلته في أربعة مباحث:
المبحث الأول: ذكر الأدلة التي فيها نفي السماع.
المبحث الثاني: ذكر الأدلة التي فيها إثبات السماع.
المبحث الثالث: مذاهب العلماء في المسألة.
المبحث الرابع: الترجيح.
=================
المبحث الأول: ذكر الأدلة التي فيها نفي السماع:
قال الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل:80].
وقال تعالى: {فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [الروم:52].
وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ} [فاطر:22].
المبحث الثاني: ذكر الأدلة التي فيها إثبات السماع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا، فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا. فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَسْمَعُوا، وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا (1)؟ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا. ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ». (2)
المبحث الثالث: مذاهب العلماء في المسألة:
ظاهرُ الآياتِ الكريمةِ أنَّ الموتى لا يسمعون كلامَ الأحياء، وأمَّا الحديث ففيهِ إِثبات السماع لهم، وقد اختلف العلماء في هذه المسألة على مذهبين:
الأول: مذهب إثبات السماع مطلقاً للأموات، وتأويل الآيات التي فيها نفي السماع.
وهذا مذهب الجمهور من العلماء (3)، حيث ذهبوا إلى إجراء الأحاديث التي فيها إثبات السماع على ظاهرها وعمومها، وقالوا: إن الميت بعد موته يسمع كلام الأحياء ويشعر بهم.
وهو اختيار جمع من المحققين، كابن حزم (4)، والقاضي عياض (5)، والنووي (6)، وشيخ الإسلام ابن تيمية (7)، وابن القيم (8)، والحافظ ابن كثير (9).
واختلف أصحاب هذا المذهب في الجواب عن الآيات التي فيها نفي السماع على أقوال:
القول الأول: أن الموتى في الآيات المراد بهم الأحياء من الكفار، والمعنى: إنك لا تُسْمِع الكفار الذين أمات الله قلوبهم إسماع هدىً وانتفاع، «وشُبِّهُوا بالموتى وهم أحياء صحاح الحواس؛ لأنهم إذا سمعوا ما يُتلى عليهم من آيات الله، فكانوا أقماع القول، لا تعيه آذانهم، وكان سماعهم كلا سماع، كانت حالهم - لانتفاء جدوى السماع - كحال الموتى الذين فقدوا مصحح السماع». (10)
وهذا القول فيه حمل للآيات على المجاز، وذلك بتشبيه الكفار الأحياء بالموتى.
وقد قال بهذا القول: ابن قتيبة (11)، والخطابي (12)، والبغوي (13)، والزمخشري (14)، والسهيلي (15)، وأبو العباس القرطبي (16)، والسمعاني (17)، والقاري (18)، والسيوطي (19)، والشنقيطي، وابن عثيمين (20).
¥