[أي تعريف للسنة النبوية؟]
ـ[أبو مروة]ــــــــ[03 - 05 - 04, 03:43 ص]ـ
[أي تعريف للسنة النبوية؟]
بسم الله الرحمان الرحيم
أريد هنا أن أطرح موضوعا للمناقشة أرجو أن يحظى باهتمام عدد من الإخوة. وهو ينطلق مما كتبته منذ مدة حول مفهوم وتعريف السنة لكنه يحتاج إلى تعميق ونقاش. أقول وبالله التوفيق:
من المعروف أن لفظ (السنة) في "لسان العرب" يعني: السيرة والطريقة والطبيعة والدوام والعادة. وكلها تحمل معاني الاستمرار والتوالي والتكرار. ويرد لفظ (السنة) كثيرا في النصوص الشرعية بهذا المعنى اللغوي.
ويستصحب معنى (السنة) لدى الصحابة رضوان الله عليهم هذه المعاني اللغوية. فهم لا يعتبرون تصرفا نبويا "سنة" إلا إذا كان للاقتداء والاتباع. وقد يصرحون بأن بعض تصرفاته صلى الله عليه وسلم ليس بسنة. وقد روي هذا في نصوص صريحة عن حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس، وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما، فمن ذلك:
أ ـ عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك سنة قال صدقوا وكذبوا. قلت: وما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد رمل رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذبوا ليس بسنة. إن قريشا قالت زمن الحديبية دعوا محمدا وأصحابه يموتوا موت النغف، فلما صالحوه على أن يجيئوا من العام المقبل فيقيموا بمكة ثلاثة أيام، فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمشركون من قبل قعيقعان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ارملوا بالبيت ثلاثا، وليس بسنة. قلت: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بين الصفا والمروة على بعيره وأن ذلك سنة، فقال: صدقوا وكذبوا. قلت: وما صدقوا وما كذبوا؟ قال: صدقوا، قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعيره، وكذبوا ليس بسنة، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه، فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ولا تناله أيديهم.
فهذا النص صريح في أن ابن عباس يرى أن من تصرفات النبي صلى الله عليه وسلم ما هو للاتباع، وهو السنة، وأن منها ما ليس بسنة على الرغم من كونه ثابتا عنه صلى الله عليه وسلم.
يقول أبو سليمان الخطابي: "وقوله "ليس بسنة" معناه أنه أمر لم يسن فعله لكافة الأمة على معنى القربة، كالسنن التي هي عبادات، ولكنه شيء فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم لسبب خاص…".
ب ـ وأخرج أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: "إن نزول الأبطح ليس بسنة، إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه كان أسمح لخروجه".
قال النووي في شرح مسلم: " [وفي نزوله] صلى الله عليه وسلم بالأبطح يوم النفر وهو المحصب أن أبا بكر وعمر وابن عمر والخلفاء رضي الله عنهم كانوا يفعلونه، وأن عائشة و ابن عباس كانا لا ينزلان به ويقولان هو منزل اتفاقي لا مقصود، فحصل خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم…".
لكل هذا اختار بعض المحدثين والأصوليين تعريف (السنة) بأنها: "ما رسم ليحتذى" كما عند أبي يعلى الفراء (458 هـ) والخطيب البغدادي (463 هـ)، وأبي الوليد الباجي (474 هـ). وقريب من هذا التعريف قول أبي بكر الجصاص: “سنة النبي عليه السلام: ما فعله أو قاله ليقتدى به فيه، ويداوم عليه”. ولم يشع تعريف السنة بأنها: "ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير" هكذا بإطلاق على ما يبدو، إلا عند أصوليي ما بعد القرن الخامس الهجري، وذلك مثل صدر الشريعة (747 هـ) والشوكاني (ت1250 هـ)، ثم عند المعاصرين أمثال أبي زهرة وعلي حسب الله، ومحمد الأمين الشنقيطي وغيرهم.
أما المتقدمون قبل ذلك فيقيدون ويخصون إشارة إلى أن تصرفاته صلى الله عليه وسلم منها ما هو للاتباع ومنها ما ليس كذلك، وإلى أنها ليست كلها "سنة".
وينتج عن هذا الضبط لمفهوم كلمة "سنة"، أن التصرفات التي تصدر منه على وجه الإباحة لا تسمى سنة. فالنزول بالأبطح لم يكن عبادة، ولم يكن بالتالي واجبا ولا مندوبا. ولكن لا حرج على الحاج إن نزل به. والسعي بين الصفا والمروة راكبا من المباح، وقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورغم ذلك يقول ابن عباس أنه ليس بسنة. لذلك نجد العديد من الأصوليين لا يدخلون في تعريف السنة إلا ما أمر به أو ندب إليه صلى الله عيه وسلم.
أفيدوا في الموضوع أكثر وجزاكم الله خيرا.
أي تعريف للسنة النبوية؟