ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[26 - 05 - 04, 02:13 ص]ـ
ويقول الإمام ابن تيمية رحمه الله
فصل
قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} في النساء [الآيتان: 36، 37]،
وفى الحديد أنه {لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الآيتان: 23، 24]،
قد تؤولت فى البخل بالمال والمنع، والبخل بالعلم ونحوه،
وهى تعم البخل بكل ما ينفع فى الدين والدنيا من علم ومال وغير ذلك، كما تأولوا قوله: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [البقرة: 3،الأنفال: 3]، النفقة من المال، والنفقة من العلم.
وقال معاذ فى العلم: تعلمه لمن لا يعلمه صدقة.
وقال أبو الدرداء: ما تصدق رجل بصدقة أفضل من موعظة يعظ بها جماعة، فيتفرقون وقد نفعهم الله بها، أو كما قال.
وفى الأثر: نعمت العطية ونعمت الهدية، الكلمة من الخير يسمعها الرجل، ثم يهديها إلى الأخ له، أو كما قال.
وهذه صدقة الأنبياء وورثتهم العلماء؛
ولهذا كان الله، وملائكته، وحيتان البحر، وطير الهواء، يصلون على معلم الناس الخير، كما أن كاتم العلم يلعنه اللّه ويلعنه اللاعنون،
وبسط هذا كثير فى فضل بيان العلم وذم ضده.
والغرض هنا أن الله يبغض المختال الفخور البخيل به
، فالبخيل به الذى منعه،
والمختال إما أن يختال فلا يطلبه ولا يقبله، وإما أن يختال على بعض الناس فلا يبذله،
وهذا كثيراً ما يقع عند بعض الناس أنه يبخل بما عنده من العلم، ويختال به، وأنه يختال عن أن يتعدى من غيره،
وضد ذلك التواضع فى طلبه، وبذله، والتكرم بذلك.
وقال شيخ الإِسلاَم ـ رَحِمهُ اللَّه:
فصل
قد كتبنا فى غير موضع الكلام على جمع الله ـ تعالى ـ بين الخيلاء والفخر وبين البخل، كما فى قوله: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} فى النساء [36، 37] والحديد [23، 24]،
وضد ذلك الإعطاء والتقوى المتضمنة للتواضع،
كما قال: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى} [الليل: 5]،
وقال: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128]،
وهذان الأصلان هما جماع الدين العام، كما يقال: التعظيم لأمر الله، والرحمة لعباد الله.
فالتعظيم لأمر اللّه يكون بالخشوع والتواضع، وذلك أصل التقوى والرحمة لعباد الله بالإحسان إليهم، وهذان هما حقيقة الصلاة والزكاة، فإن الصلاة متضمنة للخشوع لله والعبودية له، والتواضع له، والذل له، وذلك كله مضاد للخيلاء والفخر والكبر.
والزكاة متضمنة لنفع الخلق والإحسان إليهم، وذلك مضاد للبخل. .
ولهذا وغيره، كثر القِران بين الصلاة والزكاة فى كتاب الله.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[26 - 05 - 04, 02:20 ص]ـ
ويقول الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى من سورة البقرة (الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة)
وكثيرا ما يجمع تعالى بين الصلاة والزكاة في القرآن,
لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود,
والزكاة والنفقة, متضمنة الإحسان على عبيده.
فعنوان سعادة العبد, إخلاصه للمعبود, وسعيه في نفع الخلق.
كما أن عنوان شقاوة العبد, عدم هذين الأمرين منه, فلا إخلاص ولا إحسان.
ـ[ابن معين]ــــــــ[26 - 05 - 04, 05:41 م]ـ
أجزل الله لك أخي الشيخ عبدالرحمن الفقيه وافر الأجر وجزيل الثواب على فوائدك، فقد جملت المقال بهذه النقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره ..
عبرة:
ذكر الخطيب البغدادي في ترجمة أبي جعفر محمد بن عبدالرحمن الصيرفي من تاريخ بغداد ج2/ص313 أنه:
(كان مذهبه في بذل الحديث أنه كان يسأل من يقصده عن مدينة بعد مدينة هل بقى منها أحد يحدث؟ فإن قيل له: ما بقى فيها محدث، خرج إليها في سر ثم حدثهم ورجع! وكان من الديانة على نهاية).
ـ[ابوايمن]ــــــــ[26 - 05 - 04, 06:19 م]ـ
قال الشافعي رحمه الله:
أأنثر درا بين سارحة البهم ** وانظم منثوراً لراعية الغنم؟
لعمري لئن ضيعت في شر بلدة ** فلست مضيعاً فيهم غرر الكلم
لئن سهل الله العزيز بلطفه ** وصادفت أهلا للعلوم وللحكم
بثثت مفيدا واستفدت ودادهم ** وإلا فمكنون لدي ومكتتم
ومن منح الجهال علما أضاعه ** ومن منع المستوجبين فقد ظلم
ـ[عمر المقبل]ــــــــ[29 - 05 - 04, 11:43 م]ـ
وفي مقابل ذلك نجد من الأئمة ما يشعر بذم ذلك ـ أي عدم البذل لحديث ـ ففي ترجمة سليمان بن موسى الأسدي من "الكامل" 3/ 265 من طريق عباس الدوري قال: سمعت يحيى يقول في حديث: "لا نكاح إلا بولي" يرويه ابن جريج، فقلت له:
إن بن علية يقول: قال ابن جريج لسليمان بن موسى؟!
فقال يحيى: ليس يقول هذا إلا ابن علية، وابن علية عرض كتب ابن جريج على عبد المجيد بن عبد العزيز، فأصلحها له!
قلت ليحيى: ما كنت أظن أن عبد المجيد هكذا!
قال: كان أعلم الناس بحديث ابن جريج، ولكنه لم يكن يبذل نفسه بالحديث.
والشاهد من ذلك قوله: ((ولكنه لم يكن يبذل نفسه بالحديث)).
¥