تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بينما الغابط فإن التمني عنده أخف، فهو يتمنى أن يحصل له ما حصل لغيره من نعمة دون تمني زوالها، وفي حالة لم تحصل أمنيته فإن ذلك لا يؤثر على نفسيته فهو لم يزل مرتاحا هادئا بل راضيا بما قسم الله له.

فكأنما النبي صلى الله عليه وآله وسلم – والله أعلم – عبر عن الغبطة بالحسد [ولاشتراك كل منهما في التمني] ليبين أن أعلى درجات الغبطة [أي أقوى درجات التمني فيها] لا ينبغي أن توجه إلا لما يستحق هذه الدرجة من التمني وهو ما ذكر في الحديث.

وبعبارة أخرى كأن المعنى – والله أعلم – أنه إن كان هنالك شيء يستحق الغبطة بل يستحق أعلى درجات الغبطة في حياتكم الدنيا فهاذين الأمرين.

فبهذا المعنى كأنما النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحثنا – والله أعلم - على أمرين:

1 - أن نسعى لتحقيق هذين الأمرين أو أحدهما وأن نتنافس فيهما. ومنه قوله تعالى] خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [.

2 - أن نقلل من حرصنا في السعي لتحقيق ما دونهما أو مالا يدخل في حكمهما.

وهنالك من حمل الحديث على ظاهره وأن الحسد في هذا الحديث على حقيقته ولكنه يوجه بمعنى قريب نسبيا من المعنى السابق الذكر وهو:

أنه إن كان شيء قد يدعو النفس للحسد مع أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال فهذين الأمرين.

فإن المرء إذا حسد غيره في أمر ممكن أن يحسده عليه كثيرون لا يستغرب أمره كمن يحسد إنسان على أمر لا يحسده عليه أحد، وإن كان في كلتا الحالتين لا يجوز له الحسد.

فهذان التوجيهان أجود ما وقفت عليه من توجيهات هذا الحديث وهي التي تتفق مع اللغة وسياق الحديث فضلا عن الدلالات الشرعية في تحريم الحسد بجميع صوره وأشكاله، ففضلا عما ذكرت أخي جمال من نصوص شرعية أحب أن أضيف نصا من القرآن أحسب أنه قريب مما جاء في هذا الحديث وهو قوله تعالى:

] أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً [.

فالآية تذم من يحسد من آتاه الله الكتاب والحكمة وهما عين الأمر الثاني الذي جاء في حديث البخاري، وتذم من يحسد من آتاه الله الملك وما جاء في أول الحديث أظن أنه من جنسه أو قريب منه.

لذلك من أضعف الأقوال فيما أحسب في شرح الحديث من قال [إن قال به أحد من المعروفين] أن الحسد المعروف جائز في هذين الأمرين.

وهنالك من قال إن الحسد يطلق لغة على الغبطة، بمعنى أنه مشترك لفظي، لكنه لم يأت على ما يدل على ذلك من أقوال أهل اللغة أو الشواهد الشعرية بحسب قراءتي المتواضعة.

والله أجل وأعلم

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير