تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم زاد تأثر الرافضة بأصول المعتزلة، حيث نفوا صفات الخالق عز وجل، وقالوا بأن صفاته عز وجل هي عين ذاته، بحجة نفي تعدد الذوات، (وهذا خلاف مذهب أهل السنة والجماعة، الذين قالوا بأن صفاته عز وجل معان زائدة على ذاته)، وأما ما قالوه من نفي تعدد الذوات، فهو باطل مردود، لأن هذه الصفات، لا يمكن أن تقوم بذاتها، حتى نقول بأنها ذوات مستقلة، فلا قيام لها إلا بذات الخالق عز وجل على الوجه الذي يليق بجلاله، والعقل السليم، لا يمنع تعدد صفات ذات واحدة، مع التسليم بوحدتها، فيمكن مثلا أن نصف شخصا ما، بأكثر من صفة، فنقول بأنه، كريم وشجاع , … الخ، فهل يعني هذا تعدد ذوات ذلك الموصوف؟!!.

وتأثروا أيضا، بالأصل الثاني من أصول المعتزلة، وهو العدل، وهذا ما دفعهم إلى إيجاب فعل الله سبحانه وتعالى، الأصلح لعباده، وعليه، فإرسال الرسل واجب على الخالق عز وجل، لأن فيه مصلحة للعباد، ولا شك أن هذا فيه ما فيه من سوء الأدب مع الخالق عز وجل، لأنه ينافي طلاقة قدرته عز وجل، فمن ذا الذي يوجب على الخالق عز وجل أمرا ما؟!!، فلا يكتب أحد على الله أمرا ما، إلا ما كتبه سبحانه وتعالى على نفسه، كما في قوله تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة)، وعليه فإن أهل السنة والجماعة، قالوا بأن إرسال الرسل (جائز) في حقه سبحانه وتعالى، فقد يمتن على عباده بإرسالهم، وقد لا يمتن، والله أعلم.

وتأثروا بهم في مسألة معرفة الخالق عز وجل، وقالوا بأنها واجبة على العباد بالعقل، وليس بالشرع، وعليه وضعوا قواعد منطقية عقيمة للإستدلال بها على معرفة الخالق عز وجل، وعبروا عنها بمصطلح (أدلة إثبات الصانع)، بل وأوجبوا على العباد النظر في هذه القواعد المبتدعة، وكما سرى هذا إلى الشيعة، سرى إلى الأشاعرة، حتى قالوا، بأن أول واجب على الإنسان إذا بلغ التكليف، هو النظر أو القصد إلى النظر ثم الإيمان، ولا تكفي المعرفة الفطرية، ثم اختلفوا فيمن آمن بغير ذلك بين تعصيته وتكفيره، فأين هذا الجدل العقيم من الأدلة القرآنية المثبتة لوجود الخالق عز وجل، التي تخاطب الفطرة السوية والعقل السليم، كقوله تعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون، أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون)، فهذه آية تخاطب الفطرة السوية، حتى قال جبير بن مطعم رضي الله عنه، لما سمعها: كاد قلبي أن ينصدع (أو كلمة قريبة منها)، وهي في نفس الوقت تخاطب العقل السليم، بقياس سوي، يسمى قياس اللزوم، فإما أنهم خلقوا بلا خالق، وهذا مستحيل، وإما أنهم خلقوا أنفسهم، وهذا أيضا مستحيل، وإما أنهم خلقوا السماوات والأرض، وهذا أيضا مستحيل، لأنهم خلقوا، (بضم الخاء)، بعد خلق السماوات والأرض، فلم يبق إلا أن لهم خالقا، هو الله عز وجل، فألزمهم الخالق عز وجل بهذا في هاتين الآيتين الجليلتين، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام رحمه الله، في معرض رده على المناطقة، وأين هذا الأصل الفاسد، من قوله صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، ولم يق صلى الله عليه وسلم: أو يسلمانه، فهو مفطور على معرفة الخالق عز وجل وتوحيده، ولا حاجة له في هذا إلى هذه القواعد الفاسدة، وقد قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، من ضمام بن ثعلبة رضي الله عنه، إقراره بالتوحيد، ولم يأمره بالإستدلال بهذه القواعد الفاسدة، حتى يصح إيمانه، وعلى هذا سار أهل السنة والجماعة، فقالوا بأن أول واجب على العبد، هو توحيد الله عز وجل وعبادته، وليس هذا النظر الفاسد، والله أعلم.

وتأثروا بهم أيضا، في مسألة التحسين والتقبيح، وقالوا بأنهما عقليان، فالعقل عندهم، يستقل بمعرفة الحسن والقبح، دون الرجوع إلى الشرع، حتى وصل بهم الأمر إلى القول بأن العقل يستقل بإدراك الأحكام التكليفية، دون حاجة للشرع، وهذا قول البراهمة، الذين أنكروا الرسالات السماوية، وقالوا بأن الرسول، هو العقل، وأما أهل السنة والجماعة، فقالوا بأن للأفعال حسنا وقبحا يستطيع العقل إدراكهما، ولكن لا يلزم من كون الفعل حسنا، حسب إدراك العقل، أن يأمر به الشرع، ولا يلزم من كون الفعل قبيحا أن ينهى عنه الشرع، لأن العقول مهما نضجت فهي قاصرة، ومهما اتسعت فهي ناقصة، كما أشار إلى ذلك الدكتور عبد الكريم زيدان في كتابه: (الوجيز في أصول الفقه)، والله أعلم.

وتأثروا بهم في مسألة، رؤية الخالق عز وجل، حيث نفوا رؤيته عز وجل يوم القيامة، وهذا، كما هو معلوم مخالف للأدلة الصحيحة الصريحة، في هذه المسألة، وعليها بنى أهل السنة والجماعة، مذهبهم، فأثبتوا الرؤية، في الآخرة، وإن كان الخلاف قد حصل في رؤية الكفار والمنافقين لله عز وجل، ولكن الخلاف لم يحصل في أصل الرؤية، والله أعلم.

ومما سبق يتضح أن الرافضة، تلبسوا بأصول الإعتزال، تلبسا، شبه كامل، حتى صح إطلاق الإعتزال عليهم.

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير