" وعن بعضهم: قال رأيت في الطواف كهلا، وقد أجهدته العبادة، وبيده عصا، وهو يطوف معتمدا عليها، فسألته عن بلده؟
فقال: خراسان
ثم قال لي: في كم تقطعون هذا الطريق؟
قلت: في شهرين أو ثلاثة.
قال: أفلا تحجون كل عام؟
فقلت له: وكم بينكم وبين هذا؟
قال مسيرة خمس سنين.
قلت: والله هذا هو الفضل المبين والمحبة الصادقة، فضحك وأنشأ يقول:
زر من هويت وإن شطت بك الدار وحال من دونه حجب وأستار
لا يمنعنك بعد عن زيارته إن المحب لمن يهواه زوار "
ـ وآخر مثله رغم بعد المسافة.
ـ وقال الحضراوي أيضا:
" وعن شقيق البلخي ـ رحمه الله ـ قال: رأيت في طريق مكة مقعدا يزحف على الأرض، فقلت له: من أين أقبلت؟
قال: من سمرقند.
قلت: وكم لك في الطريق؟
فذكر أعواما تزيد على العشرة.
فرفعت طرفي انظر إليه متعجبا.
فقال لي: يا شقيق مالك تنظر إلي؟
فقلت: متعجبا من ضعف مهجتك وبعد سفرك.
فقال لي: يا شقيق أما بعد سفري فالشوق يقربه، وأما ضعف مهجتي فمولاها يحملها، يا شقيق أتعجب من عبد يحمله المولى اللطيف، وأنشأ يقول:
أزوركم والهوى صعب مسالكه والشوق يحمل الآمال تسعده
ليس المحب الذي يخشى مهالكه كلا ولا شدة الأسفار تبعده "
فضل تكرار الحج كل خمسة أعوام
1 ـ وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" يقول الله ـ عز وجل ـ إن عبدا صححت له جسمه، ووسعت عليه في المعيشة، تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم "
رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وقال قال علي بن المنذر:
" أخبرني بعض أصحابنا قال كان حسن بن حيي يعجبه هذا الحديث وبه يأخذ، ويحب للرجل الموسر الصحيح أن لا يترك الحج خمس سنين. "
ـ قال جمال الدين بن محب الدين الطبري:
" ولعل بعض الكسلانين ممن قد حج يتوهم أن هذا الخطاب مقصور على من لم يأت بالفرض (يعني قوله تعالى: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا)، ولا أهمه الوصول له، ويقول: لم يكلفني الله تعالى بذلك غير مرة، وقد أسقطت الفرض.
فنقول له: هب أن الله تعالى لم يكلفك حج بيته غير مرة في العمر تخفيفا عليك، وجعل ما عداها مندوبا باختيارك وراجعا إليك.
أما يشوقك ما فهمته من معنى كون البيت بيت الله، وأنه وضع على مثال حضرة الملوك لأداء خدمته؟!
أما تنبعث همتك للوفود على ساحة الله والورود على حياض نعمته؟!
أما لك ذنوب تحتاج إلى العفو عنها بقصد جنابه الكريم؟!
أما لك حاجة تهتم بسؤالها منه عند بابه العظيم؟!
أما لك غرض أن تخالط زمر المترددين إلى فنائه؟!
أما بك فاقة إلى نيل ما أعده من نعمائه؟!
أما علمت أن الزهد فيما عند الله تعالى وصف مذموم؟!
أما بلغك قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول الله عز وجل: إن من أصححت بدنه ووسعت في رزقه ثم لم يزرني في كل خمسة أعوام عاما لمحروم "
الاستخارة قبل الحج وسرها
ـ فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنهما ـ قال:
" كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال عاجل أمري وآجله) فاقدره لي ويسره لي، ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري (أو قال في عاجل أمري وآجله) فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال: ويسمي حاجته "
ـ قال الطبري: " وهذه الاستخارة لا ترجع إلى نفس الحج، فإنه خير لا محالة، وإنما ترجع إلى تعيين وقت الشروع فيه وتفاصيل أحواله "
ـ قال ابن جماعة:
" وينبغي أن تكون الاستخارة بعد الاستقامة، فإن مثل المستخير وهو على العصيان، كمثل عبد متماد على إباقه، ويرسل إلى سيده بأن يختار له من خيار ما في خزائنه، فيعد بذلك أحمق بين الحمق.
¥