وأن يكون قد جاهد نفسه، حتى لم يبق لها ميل إلى فعل ذلك الشيء ولا تركه، ليستخير الله تعالى وهو مسلم له، فإن تسليم القياد مع الميل إلى أحد القسمين خيانة في الصدق، وأن يكون دائم المراقبة لربه سبحانه وتعالى من أول صلاة الاستخارة إلى آخر دعائه، فإن المناجي للملك إذا تغافل عن الملك، والتفت بوجهه عنه يمينا وشمالا، فهو حقيق أن ينال من الملك الطرد والحرمان، وينبغي إذا انشرح صدره لشيء بعد الفراغ من الدعاء أن يقدم عليه، فإن توقفه ضعف وثوق منه بخيرة الله تعالى له "
التوبة ورد المظالم قبل الحج
لقوله تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيه المؤمنون لعلكم تفلحون).
وحقيقة التوبة: الإقلاع من الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها، والعزيمة على عدم العود فيها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس أو مال أو عرض ردها إليهم، أو تحللهم منها قبل سفره.
ـ عن عبد الله بن أنيس قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: " يحشر الناس يوم القيامة (أو قال العباد) عراة غرلا بهما، قال قلنا: وما بهما؟ قال: ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب: أنا الملك أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عنده حق حتى أقصه منه، حتى اللطمة، قال قلنا: كيف وأنا إنما نأتي الله ـ عز وجل ـ عراة غرلا بهما؟ قال بالحسنات والسيئات "
ـ عن أبي هريرة أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:" من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلله منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم، من قبل أن يؤخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئآت أخيه فطرحت عليه "
قال الغزالي:
" وأما قطع العلائق فمعناه: رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى عن جملة المعاصي، فكل مظلمة علاقة، وكل علاقة مثل غريم حاضر متعلق بتلابيبه ينادي عليه ويقول: إلى أين تتوجه؟ أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره في منزلك هذا، ومستهين به ومهمل له، أولا تستحي أن تقدم عليه قدوم العبد العاصي فيردك ولا يقبلك، فإن كنت راغبا في قبول زيارتك فنفذ أوامره، ورد المظالم، وتب إليه أولا من جميع المعاصي، واقطع علاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك، لتكون متوجها إليه بوجه قلبك، كما أنك متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك، فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولا إلا النصب والشقاء، وآخرا إلا الطرد والرد.
وليقطع العلائق عن وطنه انقطاع من قطع عنه وقدر أن لا يعود إليه، وليكتب وصيته لأولاده وأهله، فإن المسافر وماله لعلى خطر إلا من وقى الله سبحانه.
وليتذكر عند قطعه العلائق لسفر الحج قطع العلائق لسفر الآخرة، فإن ذلك بين يديه على القرب، وما يقدمه من هذا السفر طمع في تيسير ذلك السفر فهو المستقر وإليه المصير، فلا ينبغي أن يغفل عن ذلك السفر عند الاستعداد بهذا السفر "
وقال ابن جماعة:
" واعلم أن كل معصية أو مظلمة أو حق وجب عليك أداؤه، فإنه كغريم متعلق بك، يمنعك من الوصول، قائل لك بلسان الحال: كيف تقصد ملك الملوك، طامعا في رضاه عليك وإحسانه إليك، وأنت مصر على معصيته، عاكف على مخالفته، أفلا تخشى من الرد والطرد وخيبة المسعى، فيكون حظك من سفرك النصب، ومن ربك المقت والغضب "
التزود للحج
ـ عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف "
عن بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال:
" كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فإذا قدموا مكة سألوا الناس فأنزل الله تعالى {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} رواه بن عيينة عن عمرو عن عكرمة مرسلا "
قال الغزالي:
" وأما الزاد فليطلبه من موضع حلال، وإذا أحس من نفسه الحرص على استكثاره، وطلب ما يبقى منه على طول السفر، ولا يتغير ولا يفسد قبل بلوغ المقصد، فليتذكر أن سفر الآخرة أطول من هذا السفر، وأن زاده التقوى، وأن ما عداه مما يظن أنه زاده يتخلف عنه عند الموت، ويخونه فلا يبقى معه، كالطعام الرطب الذي يفسد في أول منازل السفر، فيبقى وقت الحاجة متحيرا محتاجا لا حيلة له.
¥