" أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا استوى على بعيره خارجا إلى سفر كبر ثلاثا، ثم قال {سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون} اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون "
قال الغزالي:
" وأما الراحلة إذا أحضرها، فليشكر الله بقلبه على تسخير الله ـ عز وجل ـ له الدواب لتحمل عنه الأذى وتخفف عنه المشقة.
وليتذكر عنده المركب الذي يركبه إلى دار الآخرة (وهي الجنازة التي يحمل عليها) فإن أمر الحج من وجه يوازي أمر السفر إلى الآخرة، ولينظر أيصلح سفره على هذا المركب لأن يكون زادا له لذلك السفر على ذلك المركب، فما أقرب ذلك منه، وما يدريه لعل الموت قريب، ويكون ركوبه للجنازة قبل ركوبه للجمل، وركوب الجنازة مقطوع به وتيسر أسباب السفر مشكوك فيه، فكيف يحتاط في أسباب السفر المشكوك فيه ويستظهر في زاده وراحلته، ويهمل أمر السفر المستيقن"
قال ابن جماعة:
" تذكر عند اتخاذك المركوب والمحمل وحاجتك إليه، مركبك إلى الآخرة، وهو العمل الصالح، وتذكر بالمحمل نعشك الذي تحمل عليه، وخف أن يكون هيء لك وأنت لا تشعر، بل ربما ركبته قبل المحمل وأنت لا تشعر، فإن الأجل مغيب، والموت بالمرصاد (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا"
قال ابن جماعة:
" وإذا استعصت عليك الدابة، فتذكر عند استعصائها معصيتك لربك تعالى، وأن ذلك منك أقبح من الدابة، وإذا ذلت بعد استعصائها ـ وهي حيوان لا يعقل ـ فأنت أولى بأن يردك القرآن عن مخالفتك لربك إلى طاعته، فلا تكن الدابة في ذلك خيرا منك.
وإذا ندت منك، فتذكر إباقك عن باب مولاك، وما يفوتك عند ذلك من لطائفه بك، وإقباله عليك، وإذا ضل لك شيء وتأسفت عليه فتذكر أن تأسفك على ما تضيع من عمرك بغير طاعة أجدر وأولى، فإنه لا عوض عنه، ولا قيمة له "
شراء ولبس ثوبي الإحرام
قال الغزالي: " وأما شراء ثوبي الإحرام، فليتذكر عنده الكفن ولفه فيه، فإنه فيه سيرتديه، ويتزر بثوبي الإحرام عند القرب من بيت الله ـ عز وجل ـ وربما لا يتم سفره إليه، وأنه سيلقى الله عز وجل ملفوفا في ثياب الكفن لا محالة، فكما لا يلقى بيت الله ـ عز وجل ـ إلا مخالفا عاداته في الزي والهيئة، فلا يلقى الله ـ عز وجل ـ بعد الموت إلا في زي مخالف لزي الدنيا، وهذا الثوب قريب من ذلك الثوب، إذ ليس فيه مخيط كما في الكفن "
الخروج من البلد
قال الغزالي:
" وأما الخروج من البلد، فليعلم عنده أنه فارق الأهل والوطن متوجها إلى الله ـ عز وجل في سفر لا يضاهي أسفار الدنيا، فليحضر في قلبه أنه ماذا يريد وأين يتوجه وزيارة من يقصد؟
وأنه متوجه إلى ملك الملوك في زمرة الزائرين له الذين نودوا فأجابوا، وشوقوا فاشتاقوا، واستنهضوا فنهضوا، وقطعوا العلائق وفارقوا الخلائق، وأقبلوا على بيت الله ـ عز وجل ـ الذي فخم أمره، وعظم شأنه، ورفع قدره، تسليا بلقاء البيت عن لقاء رب البيت، إلى أن يرزقوا منتهى مناهم، ويسعدوا بالنظر إلى مولاهم، وليحضر في قلبه رجاء الوصول والقبول، لا إدلالا بأعماله في الارتحال ومفارقة الأهل والمال، ولكن ثقة بفضل الله ـ عز وجل ـ ورجاء لتحقيقه، وعده لمن زار بيته، وليرج أنه إن لم يصل إليه وأدركته المنية في الطريق لقي الله ـ عز وجل ـ وافدا إليه، إذ قال ـ جل جلاله ـ (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله) "
وقال ابن جماعة:
" وليتذكر المسافر باليوم الذي يعينه لسفره اليوم الذي فيه حلول أجله وسفره إلى آخرته، وبما بين يديه من وعثاء السفر وخطره ومشاقه، مابين يديه في سفر الآخرة من أهوال الموت، وظلمة القبر وعذابه، وسؤال منكر ونكير، وأهوال يوم القيامة وخطرها "
المخاوف التي يلاقيها في الطريق
قال الغزالي:
¥