" وأما دخول البادية إلى الميقات ومشاهدة تلك العقبات، فليتذكر فيها ما بين الخروج من الدنيا بالموت إلى ميقات يوم القيامة وما بينهما من الأهوال والمطالبات، وليتذكر من هول قطاع الطريق هول سؤال منكر ونكير، ومن سباع البوادي عقارب القبر وديدانه وما فيه من الأفاعي والحيات، ومن انفراده من أهله وأقاربه وحشة القبر وكربته ووحدته، وليكن في هذه المخاوف في أعماله وأقواله متزودا لمخاوف القبر "
الميقات وما فيه
قال ابن جماعة:
" وليتذكر الحاج بوصوله إلى الميقات: أن الله تعالى قد أهله للقدوم عليه، والقرب من حضرته، فليلزم الأدب معه ليصلح لإقباله عليه بمزيد الإحسان إليه "
رفع الصوت بالتلبية
1 ـ عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال:
" صلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة الظهر أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين، وسمعتهم يصرخون بهما جميعا "
2 ـ عن خلاد بن السائب عن أبيه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" جاءني جبريل فقال لي: يا محمد مر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية "
3 ـ عن أبي بكر الصديق:
" أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل أي الحج أفضل قال: العج والثج "
4 ـ عن سهل بن سعد الساعدي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" ما من ملب يلبي، إلا لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر، حتى تنقطع الأرض من ها هنا وها هنا "
5 ـ عن زيد بن خالد الجهني قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
" جاءني جبريل فقال يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج "
6 ـ عن أبي هريرة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" ما أهل مهل قط إلا بشر ولا كبر مكبر قط إلا بشر قيل يا رسول الله بالجنة قال نعم "
ـ قال الغزالي:
" وأما الإحرام والتلبية من الميقات، فليعلم أن معناه إجابة نداء الله ـ عز وجل ـ، فارج أن تكون مقبولا، واخش أن يقال لك: لا لبيك ولا سعديك، فكن بين الرجاء والخوف مترددا، وعن حولك وقوتك متبرئا، وعلى فضل الله ـ عز وجل ـ وكرمه متكلا، فإن وقت التلبية هو بداية الأمر وهي محل الخطر. قال سفيان بن عيينة: حج علي بن الحسين ـ رضي الله عنهما ـ فلما أحرم واستوت به راحلته اصفر لونه وانتفض ووقعت عليه الرعدة ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: لم لا تلبي؟
فقال: أخشى أن يقال لي لا لبيك ولا سعديك، فلما لبى غشي عليه ووقع عن راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتى قضى حجه.
وقال أحمد بن أبي الحواري:
كنت مع أبي سليمان الداراني ـ رضي الله عنه ـ حين أراد الإحرام فلم يلب حتى سرنا ميلا فأخذته الغشية ثم أفاق، وقال: يا أحمد إن الله سبحانه أوحى إلى موسى ـ عليه السلام ـ مر ظلمة بني إسرائيل أن يقلوا من ذكري، فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة، ويحك يا أحمد بلغني أن من حج من غير حلة ثم لبى قال الله ـ عز وجل ـ: لا لبيك ولا سعديك حتى ترد ما في يديك، فما نأمن أن يقال لنا ذلك.
وليتذكر الملبي عند رفع الصوت بالتلبية في الميقات إجابته لنداء الله ـ عز وجل ـ إذ قال: (وأذن في الناس بالحج)، ونداء الخلق بنفخ الصور، وحشرهم من القبور، وازدحامهم في عرصات القيامة مجيبين لنداء الله سبحانه، ومنقسمين إلى مقربين وممقوتين ومقبولين ومردودين، ومترددين في أول الأمر بين الخوف والرجاء تردد الحاج في الميقات، حيث لا يدرون أيتيسر لهم إتمام الحج وقبوله أم لا "
ـ عن عبد الله بن الجلاء قال:
" كنت بذي الحليفة وأنا أريد الحج والناس يحرمون، فرأيت شابا قد صب عليه الماء يريد الإحرام وأنا أنظر إليه.
فقال: يا رب أريد أن أقول: لبيك اللهم لبيك، وأخشى أن تجيبني لا لبيك ولا سعديك.
وبقي يردد هذا القول مرارا كثيرا وأنا أتسمع عليه. فلما أكثر قلت له: ليس لك بد من الإحرام فقل. فقال: يا شيخ أخشى إن قلت لبيك اللهم لبيك أجابني بلا لبيك ولا سعديك. فقلت له: أحسن ظنك، وقل معي: لبيك اللهم لبيك. فقال: لبيك اللهم. وطولها، وخرجت نفسه مع قوله اللهم، فسقط ميتا. "
ـ قال ابن كثير:
" وذكر أن أبا نواس لما أراد الإحرام بالحج قال:
يا مالكا ما أعدلك مليك كل من ملك
لبيك إن الحمد لك والملك لا شريك لك
عبدك قد أهل لك أنت له حيث سلك
لولاك يارب هلك لبيك إن الحمد لك
¥