ويقال: إن السيئات تضاعف بها كما تضاعف الحسنات، وكان ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول: الاحتكار بمكة من الإلحاد في الحرم.
وقيل: الكذب أيضا. وقال ابن عباس: لأن أذنب سبعين ذنبا بركية أحب إلي من أن أذنب ذنبا واحدا بمكة (وركية منزل بين مكة والطائف) ولخوف ذلك انتهى بعض المقيمين إلى أن لم يقض حاجته في الحرم، بل كان يخرج إلى الحل عند قضاء الحاجة، وبعضهم أقام شهرا وما وضع جنبه على الأرض.وللمنع من الإقامة كره بعض العلماء أجور دور مكة.
ولا تظنن أن كراهة المقام يناقض فضل البقعة، لأن هذه كراهة علتها ضعف الخلق وقصورهم عن القيام بحق الموضع، فمعنى قولنا إن ترك المقام به أفضل أي بالإضافة إلى مقام مع التقصير والتبرم، أما أن يكون أفضل من المقام مع الوفاء بحقه فهيهات، وكيف لا ولما عاد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مكة استقبل الكعبة وقال:
(إنك لخير أرض الله عز وجل وأحب بلاد الله تعالى إلي ولولا أني أخرجت منك لما خرجت)
وكيف لا والنظر إلى البيت عبادة والحسنات فيها مضاعفة كما ذكرناه فضيلة المدينة الشريفة على سائر البلاد "
فضل المدينة
1 ـ عن نافع عن بن عمر قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليفعل ـ فإني أشهد لمن مات بها "
2 ـ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
" من أراد أهل المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء "
3 ـ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" لا يصبر على لأواء المدينة وشدتها أحد من أمتي، إلا كنت له شفيعا يوم القيامة، أو شهيدا "
4 ـ وعن أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري:
" أنه مر بزيد بن ثابت، وأبي أيوب ـ رضي الله عنهما ـ وهما قاعدان عند مسجد الجنائز، فقال أحدهما لصاحبه: تذكر حديثا حدثناه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا المسجد الذي نحن فيه؟
قال: نعم، عن المدينة، سمعته يزعم أنه سيأتي على الناس زمان تفتح فيه فتحات الأرض، فتخرج إليها رجال يصيبون رخاء وعيشا وطعاما، فيمرون على إخوان لهم حجاجا أو عمارا، فيقولون: ما يقيمكم في لأواء العيش وشدة الجوع، فذاهب وقاعد، حتى قالها مرارا، والمدينة خير لهم، لا يثبت بها أحد فيصبر على لأوائها وشدتها حتى يموت، إلا كنت له يوم القيامة شهيدا أو شفيعا "
5 ـ وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها، فإني أشفع لمن يموت بها"
6 ـ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أنه قال:
" كان الناس إذا رأوا أول الثمر جاؤوا به إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا أخذه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: اللهم بارك لنا في ثمرنا، وبارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في صاعنا ومدنا، اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك، وإني عبدك ونبيك، وإنه دعاك لمكة، وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك به لمكة ومثله معه، قال ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك الثمر "
7 ـ وعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال:
" خرجنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى إذا كنا عند السقيا التي كانت لسعد، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك، دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك، وإني أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم مثل ما باركت لأهل مكة، واجعل مع البركة بركتين "
8 ـ وعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:
" اللهم بارك لنا في مدينتنا، اللهم اجعل مع البركة بركتين، والذي نفسي بيده، ما من المدينة شيء ولا شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها "
9 ـ وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأبي طلحة:
" التمس لي غلاما من غلمانكم يخدمني، فخرج أبو طلحة يردفني وراءه، فكنت أخدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كلما نزل، قال: ثم أقبل، حتى إذا بدا له أحد، قال: هذا جبل يحبنا ونحبه، فلما أشرف على المدينة، قال: اللهم إني أحرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة، ثم قال: اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم "
¥