ويستحب لمن أراد الإحرام أن يتعاهد شاربه وأظفاره وعانته وإبطيه، فيأخذ ما تدعو الحاجة إلى أخذه؛ لئلا يحتاج إلى أخذ ذلك بعد الإحرام وهو محرم عليه، ولأن النبي – صلى الله عليه وسلم – شرع للمسلمين تعاهد هذه الأشياء في كل وقت، كما ثبت في الصحيحين، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – "الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وقلم الأظفار، ونتف الآباط "، وفي صحيح مسلم، عن أنس – رضي الله عنه – قال "وقِّت لنا في قص الشارب، وقلم الأظافر، ونتف الإبط، وحلق العانة: أن لا نترك ذلك أكثر من أربعين ليلة"، وأخرجه النسائي بلفظ: "وقت لنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم –"، وأخرجه أحمد، وأبو داود، والترمذي بلفظ النسائي، وأما الرأس فلا يشرع أخذ شيء منه عند الإحرام، لا في حق الرجال ولا في حق النساء.
وأما اللحية فيحرم حلقها أو أخذ شيء منها في جميع الأوقات، بل يجب إعفاءها وتوفيرها؛ لما ثبت في الصحيحين، عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى وأحفوا الشوارب"، وأخرج مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: "جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس".
وقد عظمت المصيبة في هذا العصر بمخالفة كثير من الناس هذه السنة ومحاربتهم للحى، ورضاهم بمشابهة الكفار والنساء، ولا سيما من ينتسب إلى العلم والتعليم، فإنا لله وإنا إليه راجعون، ونسأل الله أن يهدينا وسائر المسلمين لموافقة السنة والتمسك بها، والدعوة إليها، وإن رغب عنها الأكثرون، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم يلبس الذكر إزاراً ورداءً، ويستحب أن يكونا أبيضين نظيفين، ويستحب أن يحرم في نعلين؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "وليحرم أحدكم في إزارٍ ورداءٍ ونعلين"، أخرجه الإمام أحمد – رحمه الله -.
وأما المرأة فيجوز لها أن تحرم فيما شاءت من أسود أو أخضر أو غيرهما، مع الحذر من التشبه بالرجال في لباسهم، لكن ليس لها أن تلبس النقاب والقفازين حال إحرامها، ولكن تغطي وجهها وكفيها بغير النقاب والقفازين؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم - نهى المرأة المحرمة عن لبس النقاب والقفازين، وأما تخصيص بعض العامة إحرام المرأة في الأخضر أو الأسود دون غيرهما فلا أصل له.
ثم بعد الفراغ من الغسل والتنظيف ولبس ثياب الإحرام، ينوي بقلبه الدخول في النسك الذي يريده من حج أو عمرة؛ لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى".
ويشرع له التلفظ بما نوى، فإن كانت نيته العمرة قال: (لبيك عمرة) أو (اللهم لبيك حجاً)؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – فعل ذلك، وإن نواهما جميعاً لبى بذلك فقال: (اللهم لبيك عمرة وحجاً)، والأفضل أن يكون التلفظ بذلك بعد استوائه على مركوبه من دابة أو سيارة أو غيرهما؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – إنما أهل بعدما استوى على راحلته، وانبعثت به من الميقات للسير، هذا هو الأصح من أقوال أهل العلم.
ولا يشرع له التلفظ بما نوى إلا في الإحرام خاصة؛ لوروده عن النبي – صلى الله عليه وسلم -.
وأما الصلاة والطواف وغيرهما فينبغي له ألا يتلفظ في شيء منها بالنية، فلا يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا، ولا نويت أن أطوف كذا، بل التلفظ بذلك من البدع المحدثة، والجهر بذلك أقبح وأشد إثماً، ولو كان التلفظ بالنية مشروعاً لبينه الرسول – صلى الله عليه وسلم -، وأوضحه للأمة بفعله أو قوله، ولسبق إليه السلف الصالح.
فلما لم ينقل ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا عن أصحابه - رضي الله عنهم - علم أنه بدعة، وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: "وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" أخرجه مسلم في صحيحه، وقال - عليه الصلاة والسلام -: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" متفق على صحته، وفي لفظ لمسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد".
في المواقيت المكانية وتحديدها
المواقيت خمسة:
الأول: ذو الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة، وهو المسمى عند الناس اليوم: أبيار علي.
¥