و هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله: (إنّ الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم، و لا يصلى خلفهم، و لا يؤخذ عنهم العلم).
[مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 28/ 205].
قال يوسف ابن أسباط: (ما أبالي سألتُ صاحب بدعة عن ديني، أو زنيت).
[الإبانة الكبرى، لابن بطة: 2/ 459].
و عن سلام بن أبي مطيع أن رجلاً من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني: (يا أبا بكر! أسألك عن كلمة)؟ قال أيوب – و جعل يشير بإصبعه -: (و لا نصف كلمة، و لا نصف كلمة).
[الإبانة الكبرى، لابن بطة: 2/ 447، و شرح السنّة، للبغوي: 1/ 227].
و عن أسماء – جدة سعيد بن عامر – قالت: دخل رجلان من أهل الأهواء على محمد بن سيرين فقالا: يا أبا بكر: نحدثك بحديث؟ قال: (لا).
قالا: فنقرأ عليك آية من كتاب الله؟
قال: (لا، لتقومان عنّي أو لأقومنّ).
[الإبانة الكبرى، لابن بطة: 2/ 446].
و لمّا كانت شبه القوم و ضلالاتهم و أقوالهم الفاسدة مبثوثة في كتبهم حتى تكاد تغص بها، و تفيض من بطونها، تبرّأ سلفنا من كتب أهل البدع، فذمّوها و نفّروا منها.
قال ابن قدامة: (كان السلف ينهون عن مجالسة أهل البدع، و النظر في كتبهم).
[الآداب الشرعيّة، لابن مفلح: 11/ 232].
و قال العلاّمة ابن القيّم: (لا ضمان في تحريق الكتب المضلّة و إتلافها. قال محمد بن نصر المروزي: قلت لأحمد: استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة أترى أن أخرقه أو أحرقه؟
قال: نعم! فأحرقه، و قد رأى النبي صلى الله عليه و سلّم بيد عمر كتاباً اكتتبه من التوراة، و أعجبه موافقته للقرآن، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه و سلّم، حتى ذهب به عمر إلى التنور فألقاه فيه ... و كلّ الكتب المتضمنة لمخالفة السنّة غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها و إتلافها، و ما على الأمّة أضرّ منها، و قد حرّق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لِما خافوا على الأمّة من الاختلاف، فكيف لو رأوا هذه الكتب التي أوقعت الخلاف و التفرّق بين الأمّة؟!).
[الطرق الحكميّة في السياسة الشرعيّة، لابن قيّم الجوزيّة، ص: 275].
فانظر – رحمك الله – كيف أنّ البراءة من البدعة و المبتدعة استلزمت التبرؤ حتى من علومهم و كتبهم، لما بث فيها من السموم و الضلال.
و قلت: حدثنا حسن بن الربيع. حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب وهشام، عن محمد. وحدثنا فضيل عن هشام. قال وحدثنا مخلد بن حسين، عن هشام، عن محمد بن سيرين؛ قال: إن هذا العلم دين. فانظروا عمن تأخذون دينكم.
يتبع،،
ـ[مشرف منتدى نور الإسلام]ــــــــ[02 - 12 - 05, 03:10 م]ـ
وجوب العدل و الإنصاف في الحكم على المبتدعة
أمرنا الله تعالى بلزوم العدل مع الخصوم و المخالفين، فقال: (يا أيّها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) [المائدة: 8].
و إذا كنّا عادلين في باب البراءة من المبتدعة و بغضهم و مباينتهم، فلا بد أن يكون ذلك بحسب البدعة المتَلبَّس بها، مع موالاتهم و محبتهم لما فيهم من الخير و البر من جهات أخرى، هذا في حال كون البدعة غير مكفّرة، و غير منافيةٍ لأصول أهل السنّة و الجماعة المتفق عليها، فيكون (الحب و البغض بحسب ما فيهم من خصال الخير و الشر، فإنّ العبد يجتمع فيه سبب الولاية و سبب العداوة، و الحب و البغض، فيكون محبوباً من وجه، و مبغوضاً من وجه، و الحكم للغالب).
[شرح العقيدة الطحاويّة، لابن أبي العز الحنفي، ص: 434].
و هذا مقتضى العدل، و قد قرره شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله في قوله: (إذا اجتمع في الرجل الواحد خير و شر، و فجور و طاعة و معصية، سنة و بدعة، استحق من الموالاة بقدر ما فيه من الخير، و استحق من المعاداة بقدر ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام و الإهانة، فيجتمع له من هذا و من هذا، كاللص الفقير نقطع يده لسرقته، و يُعطى من بيت المال ما يكفي حاجته، هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنّة و الجماعة).
[مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 28/ 209]
و أختم هذه الرسالة بما أدين الله تعالى به:
(إنّ أهل البدع ليسوا على درجةٍ واحدةٍ، ففيهم المبتدع الكافر ببدعته، و فيهم الفاسق بتلبسه بها، و فيهم الداعية إليها، و غير الداعية، و فيهم المعذور بجهله أو اجتهاده، و غير المعذور ... شأنهم في ذلك شأن أهل الإيمان عند من قال إنّه يزيد بالطاعة و ينقص بالعصيان)
[و هو مذهب جمهور أهل السنة خلافاً للحنفيّة. انظر: شرح الطحاويّة، ص: 335 و ما بعدها]
فلا بد أن يُنزل كلّ إنسان منزلته، و يُحلَّ محلَّه، و يأخذ حقّه من المعاملة ولاءً و براءً، و هذا هو الميزان السليم، و الصراط القويم، و القسطاس المستقيم، و بالله التوفيق.
يتبع إن شاء الله تعالى ..
¥