ولما كان صلى الله عليه وسلم رحيما بأمته، حريصا عليهم، لم يدع شيئا من الخير إلا بينه لهم، فمن اخترع اليوم عبادة أو ذكرا أو وردا، وزعم أن فيه خيرا، فقد اتهم النبي صلى الله عليه وسلم ـ شعر أو لم يشعرـ بأنه لم يبلغ الدين كما أمره الله.
ولهذا قال الإمام مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم، خان الرسالة؛ لأن الله يقول: {اليوم أكملت لكم دينكم} فما لم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دينا.
والتحذير من الابتداع، كثير في كلام الصحابة والتابعين والأئمة:
قال حذيفة بن اليمان: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها.
وقال ابن مسعود: اتبعوا ولا تبتدعوا، فقد كفيتم، عليكم بالأمر العتيق.
والسؤال الذي ينبغي أن يوجه لمن اخترع هذه الأذكار:
هل فعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
هل فعل هذا أصحابه رضوان الله عليهم؟
والجواب المعلوم: أن قراءة السور المذكورة بهذه الأعداد: 100، 7، 79 شيء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، وكذلك الأدعية التي بهذه الكيفية المذكورة وتكرارها.
ويقال لهذا المخترع: هل تظن أنك سبقت إلى خير لم يعلمه الرسول ولا أصحابه؟
أم تظن أن لك أو لشيخك حق التشريع، وتحديد الأذكار، وأوقاتها، وأعدادها، كما أن للرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الحق؟
ولاشك أن هذا أو ذاك ضلال مبين.
ولنعتبر بما جاء عن عبد الله بن مسعود رضي الله، فيما رواه الدارمي في سننه أن أبا موسى الأشعري قال لعبد الله بن مسعود: يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته ولم أر والحمد لله إلا خيرا.
قال فما هو؟
فقال: إن عشت فستراه. قال: رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مائة فيكبرون مائة فيقول هللوا مائة فيهللون مائة ويقول سبحوا مائة فيسبحون مائة.
قال: فماذا قلت لهم؟
قال: ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك وانتظار أمرك.
قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم. ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون؟
قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح.
قال: فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة.
قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير.
قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه.
فليس كل من أراد الخير أصابه ووفق له، وليس كل عبادة متقبلة، حتى تكون على سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الإنكار من ابن مسعود رضي الله عنه يقضي على حجة أهل الاختراع والابتداع، فإنهم دائما يقولون: وأي مانع من الأذكار والصلوات والقرآن؟! ونحن لا نريد بها إلا الخير والتقرب إلى الله.
فيقال لهم: إن العبادة يجب أن تكون مشروعة في أصلها وفي هيئتها وكيفيتها، وما كان منها في الشريعة مقيدا بعدد لم يكن لأحد أن يتجاوزه، وما كان مطلقا لم يكن لأحد أن يخترع له حدا، فيضاهي بذلك الشرع.
وما يؤكد هذا المعنى ما جاء عن سعيد بن المسيب رحمه الله، فقد رأى رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، فنهاه، فقال الرجل: يا أبا محمد! يعذبني الله على الصلاة؟!
قال: "لا، ولكن يعذبك على خلاف السنة".
فانظر هذا الفقه من هذا التابعي الجليل رحمه الله. وذلك لأن السنة أن يصلي بعد طلوع الفجر السنة الراتبة ركعتين فقط ولا يزيد، ثم يصلي الفريضة. وقريب من هذا ما جاء عن الإمام مالك رحمه الله، فقد أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله! من أين أحرم؟
قال: من ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. (يعني قبر النبي صلى الله عليه وسلم)
قال: " لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة ".
فقال: وأي فتنة في هذه؟! إنما هي أميال أزيدها.
¥