وبعد:
فهذا بحث مختصر في مسألة صلاة العيدين؛ هل لها خطبة أم خطبتين فأقول وبالله التوفيق مستعينا به سبحانه وتعالى أخذا بقوله عزو وجل: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً?. (النساء: 59):
لم يثبت عن النبي ? تكرار الخطبة في العيدين، بخلاف الجمعة.
وكلُّ مَن تكلّم وقال بالخطبتين في العيدين إنما قاس على خطبتي الجمعة, ولم يُثبِتوا حديثاً عن النبي ? صريحاً صحيحاً, ولا عن أحد من أصحاب رسول الله ?.
وغاية ما استدلّوا به: حديثُ جابرٍ ? قال: ((خرج رسول الله ? يوم الفطر - أو أضحى - فخطب قائماً, ثم قعد مقعده, ثم قام)).
ضعيف: أخرجه ابن ماجه: (1289) , والبوصيري في " الزوائد ": (رقم: 417) , وكتابه المسمّى " مصباح الزّجاجة ": (1289)، وقال الألباني " منكر " سنداً ومتناً.
وفيه:
أوّلاً: أنّ قوله: (ثم قام) ليس بصريح أنّه قام إلى الخطبة الثانية.
ثانياً: اضطّراب المتن.
فقد وقع في رواية النّسائي في ((الصغرى)) كما ذكر البوصيري في ((الزوائد)) فقال: ((رواه النسائي في ((الصغرى)) من حديث جابر, إلا قوله: [يوم فطر أو أضحى]))
المصدر السّابق.
وفي رواية ابن ماجه [يوم فطر أو أضحى] على الشّكّ أيضاً بين العيدين.
ثالثاً: نكارة المتن والسّند.
قال الألباني عن هذا الحديث: ((منكر سندًا ومتنًا، والمحفوظ أنّ ذلك في خطبة الجمعة، ومن حديث جابر بن سُمرة كما في (م)، والتعليق على ابن خزيمة (2/ 349)، وانظر الحديث: (1105 - 1106). [وهما في ((صحيح ابن ماجه)) برقم: 907، 908])) انتهى كلامُ الألباني - حفظه الله -. " ضعيف سنن ابن ماجه " للألباني: (1289).
أما حديث جابر بن سمرة فهو من طريق سِمَاك قال: (أنبأني جابر بن سمرة: أنّ رسول الله ? كان يخطُب قائمًا، ثم يجلِس، ثم يقوم فيخطُب قائمًا، فمن نبّأك أنه كان يخطُب جالسًا فقد كذب، فقد - والله - صلّيت معه أكثر من ألفيْ صلاة).
أخرجه مسلم: (862)، واللفظ الثّاني من حديث ابن عمر (رقم: 861)، وأخرج الأوّل- أيضًا -: ابن ماجه: (110، 1106)، والنسائي: (1416)، وابن خزيمة: (1447). قال الألباني في تعليقه على ابن خزيمة: " قلت: هذا الحديث في خطبتي الجمعة بدليل: رواية خالد بن الحارث: حدّثنا عبيد الله به، ولفظه: (كان رسول الله ? يخطُب يوم الجمعة قائمًا ... ) الحديث. فقوله في الكتاب (الخطبتين) اللاّم فيه للعهد وليس للاستغراق، فتنبه " اهـ.
وفي لفظٍ: (كان رسول الله ? يخطُب يوم الجمعة قائمًا، ثم يجلس، ثم يقوم).
رابعًا: ضعفُ الإسناد.
أما إسناد الحديث ففيه: عبد الرّحمن بن عثمان أبو بحر البصري، قال أحمدُ بن حنبل: ((طرحَ الناسُ حديثه))، وقال يحيى بن معين: ((ضعيف))، وقال ابن المديني: ((ذهب حديثه))، وقال أبو حاتم: ((ليس بقويّ؛ يُكتَبُ حديثُه، ولا يُحتجّ به))، وقال النسائي: ((ضعيف))، وقال ابن حبّان: ((يروى المقلوبات عن الأثْبات، ويأتي عن الثقات ما لا يشبه أحاديثهم؛ فلايجوز الاحتجاج به))، وقال أبو داود: ((وتركوا حديثه))، وقال ابن حجر: ((ضعيف، من التّأسعة))، قال ابن عديّ: ((له أحاديث غرائب عن شُعبة وعن غيره من البصريّين)).
راجع ترجمته في: " التّاريخ الكبير " (5/ 331)، و" الصغير ": (2/ 253) للبخاري، " الضعفاء والمتروكين " للنسائي: (206 ترجمة: 357)، و" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم: (5/ 264)، و" الكامل في ضعفاء الرّجال " لابن عديّ: (4/ 296)، و" المجروحين " لابن حبّان: (2/ 61)، و" تهذيب الكمال " للمزيّ: (17/ 271)، و" ميزان الاعتدال ": (2/ 578)، و" المغني في الضعفاء ": (2/ 383)، و" الكاشف ": (1/ 363) للذهبي، و" التهذيب ": (6/ 205)، و" التقريب ": (346 ترجمة: 3943) لابن حجر.
¥