ومن العجائب أن ترى بعض هؤلاء يرتكبون إثم حلق اللحية , فإذا قاموا إلى الصلاة لم يشعروا بأي نقص يلحقهم بسبب تساهلهم هذا , ولا يهمهم ذلك أبداً , أما الصلاة في العمامة , فأمر لا يستهان به عندهم , ومن الدليل على هذا أنه إذا تقدم رجل ملتح يصلي بهم لم يرضوه حتى يتعمم , وإذا تقدم متعمم – ولو كان عاصياً بحلقه للحيته – لم يزعجهم ذلك , ولم يهتموا له , فعكسوا شريعة الله حيث استباحوا ما حرمه , وأوجبوا – أو كادوا أن يوجبوا – ما أباحه.
والعمامة – إن ثبت لها فضيلة – فإنما يراد بها العمامة التي يتزين بها المسلم في أحواله العادية , ويتميز بها عن غيره من المواطنين , وليس يراد بها العمامة المستعارة التي يؤدى بها عبادة في دقائق معدودات , فما يكاد يفرغ منها حتى يسجنها في جيبه , والمسلم بحاجة إلى عمامة خارج الصلاة أكثر من حاجته إليها داخلها , بحكم أنها شعار للمسلم تميزه عن الكافر , ولا سيما في هذا العصر الذي اختلطت فيه أزياء المؤمن بالكافر , حتى صار من العسير أن يفشي المسلم السلام على من عرف ومن لم يعرف , فانظر كيف صرفهم الشيطان عن العمامة النافعة إلى العمامة المبتدعة , وسول لهم أن هذه تكفي وتغني عن تلك , وعن إعفاء اللحية التي تميز المسلم من الكافر كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (خالفوا المشركين , احفوا [وفي رواية: قصوا] الشوارب , وأوفوا اللحى) رواه الشيخان وغيرهما عن ابن عمر وغيره.
وما مثل من يضع هذه العمامة المستعارة عند الصلاة إلا كمثل من يضع لحية مستعارة عند القيام إليها , ولئن كنا لم نشاهد هذه اللحى المستعارة في بلادنا , فإني لا أستبعد أن أراها يوماً ما بحكم تقليد كثير من المسلمين للأوربيين , فقد قرأت في "جريدة العلم" الدمشقية ما نصه (لندن – عندما اشتدت وطأة الحر , وانعقدت جلسة مجلس اللوردات , سمح لهم الرئيس بأن يخلعوا لحاهم المستعارة) , فهل من معتب؟
عدم مشروعية صلاة ركعتين للمسافر عند الخروج
372 - (ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا) ضعيف.
ثم إن النووي رحمه الله استدل بالحديث على أنه يستحب للمسافر عند الخروج أن يصلي ركعتين , وفيه نظر بين , لأن الاستحباب حكم شرعي لا يجوز الاستدلال عليه بحديث ضعيف , لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح , ولا يثبت به شيء من الأحكام الشرعية , كما لا يخفى , ولم ترد هذه الصلاة عنه صلى الله غليه وسلم , فلا تشرع , بخلاف الصلاة عند الرجوع , فإنها سنة.
وأغرب من هذا جزمه –أعني النووي رحمه الله- بأنه: (يستحب أن يقرأ سورة ((لإيلاف قريش)) , فقد قال السيد الجليل أبو الحسن القزويني الفقيه الشافعي صاحب الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة والمعارف المتظاهرة: إنه أمان من كل سوء).
قلت: وهذا تشريع في هذا الدين دون أي دليل إلا مجرد الدعوى , فمن أين له أن ذلك أمان من كل سوء؟ لقد كان مثل هذه الآراء التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة من أسباب تبديل الشريعة وتغييرها من حيث لا يشعرون , لولا أن الله تعهد بحفظها , ورضي الله عن حذيفة بن اليمان إذ قال: (كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها). وقال ابن مسعود رضي الله عنه (اتبعوا ولا تبتدعوا ةفقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق).
ثم وقفت على حديث يمكن أن يستحب به صلاة ركعتين عند النصر , وهو مخرج في الصحيحة.
السفر ليس له حد في اللغة ولا في الشرع , والمرجع فيه إلى العرف
439 - (يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان) موضوع.
ومما يدل على وضع الحديث , وخطأ نسبته إليه صلى الله عليه وسلم , ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في أحكام السفر: هذا الحديث إنما هو من قول ابن عباس. ورواية ابن خزيمة. وغيره له مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باطل بلا شك عند أئمة أهل الحديث. وكيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالتحديد وإنما أقام بعد الهجرة زمنًا يسيرًا، وهو بالمدينة لا يحد لأهلها حدًا كما حده لأهل مكة، وما بال التحديد يكون لأهل مكة دون غيرهم من المسلمين.
¥