الحديث يدل على استحباب قراءة القرآن عند القبور , وليس في السنة الصحيحة ما يشهد لذلك , بل هي تدل على أن المشروع عند زيارة القبور إنما هو السلام عليهم , وتذكر الآخرة فقط , وعلى ذلك جرى عمل السلف الصالح رضي الله عنهم , فقراءة القرآن عندها بدعة مكروهة , كما صرح جماعة من العلماء المتقدمين , منهم أبوحنيفة , ومالك , وأحمد في رواية كما في "شرح الإحياء" للزبيدي قال: (لأنه لم ترد به سنة , وقال محمد بن الحسن وأحمد في رواية: لا تكره , لما روي عن ابن عمد أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها).
قلت: هذا الأثر عن ابن عمر لا يصح سنده إليه , ولو صح , فلا يدل إلا على القراءة عند الدفن لا مطلقاً , كما هو ظاهر.
فعليك أيها المسلم بالسنة , وإياك والبدعة , وإن رآها الناس حسنة , فإن (كل بدعة ضلالة) , كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
من سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القولية والفعلية المعالجة بالأدوية المادية
152 - (استشفوا بما حمد الله به نفسه قبل أن يحمده خلقه , وبما مدح الله به نفسه: (الْحَمْدُ للّه) , و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) , فمن لم يشفيه القرآن , فلا شفاه الله) حديث ضعيف جداً.
هذا الحديث يوحي بترك المعالجة بالأدوية المادية , والأعتماد فيها على تلاوة القرآن , وهذا شيء لا يتفق في قليل ولا كثير مع سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القولية والفعلية , فقد تعالج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأدوية المادية مراراً , وأمر بذلك فقال: (ياعباد الله تداووا , فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء) أخرجه الحاكم بسند صحيح , وهو مخرج في "غاية المرام" عن جمع من الصحابة نحوه.
153 - (من استشفى بغير القرآن , فلا شفاه الله تعالى) موضوع.
وأصل هذا اللفظ في الحديث الذي قبله.
لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج
225 - (لعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زائرات القبور , والمتخذين عليها المساجد والسرج) ضعيف بهذا السياق والتمام.
قلت: فهذا الحديث لا يحسن تحسينه , كما فعل الترمذي , فكيف تصحيحه , كما فعل أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" وعلى "سنن الترمذي"؟ وهذا التحسين والتصحيح بالإضافة إلى اشتهار الاستدلال بهذا الحديث على تحريم إيقاد السرج , حملني على أن أبين حقيقة إسناد هذا الحديث , لكي لا ينسب إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقله.
نعم , قد جاء غالب الحديث من طرق أخرى , فلعن زائرات القبور , رواه ابن ماجه , والحاكم , والبيهقي , وأحمد , من حديث حسان بن ثابت , والترمذي وابن ماجه , والبيهقي , والطيالسي , وأحمد عن أبي هريرة بلفظ: (زوارات القبور) , انظر "أحكام الجنائز".
ولعن المتخذين على القبور المساجد , متواتر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في "الصحيحين" وغيرهما من حديث عائشة , وابن عباس , وأبي هريرة , وزيد بن ثابت , وأبي عبيدة بن الجراح , وأسامة بن زيد , وقد سقت أحاديثهم وخرجتها في "التعليقات الجياد على زاد المعاد" ثم في "تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد".
ونص حديث عائشة وابن عباس مرفوعاً: (لعنة الله على اليهود والنصارى , اتخذوا من قبور أنبيائهم مساجد) , زاد أحمد في روايته: (يحرم ذلك على أمته).
وأخرج أيضاً حديث ابن مسعود مرفوعاً: (إن شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء , ومن يتخذ القبور مساجد).
ومع هذه الأحاديث الكثيرة في لعن من يتخذ المساجد على القبور , تجد كثيراً من المسلمين يتقربون إلى الله ببنائها عليها والصلاة فيها , وهذا عين المحادة لله ورسوله.
وأما لعن المتخذين عليها السرج , فلم نجد في الأحاديث ما يشهد له , فهذا القدر من الحديث ضعيف , وإن لهج إخواننا السلفيون في بعض البلاد بالاستدلال به , ونصيحتي إليهم أن يمسكوا عن نسبته إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لعدم صحته , وأن يستدلوا على منع السرج على القبور بعمومات الشريعة , مثل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كل بدعة ضلالة , وكل ضلالة في النار) , ومثل نهيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إضاعة المال , ونهيه عن التشبه بالكفار , ونحو ذلك.
¥