لقد بلغني عن أحد الدعاة أنه يهون من شأن هذه السنة العملية التي جرى عليها الصحابة , وأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم عليها , ويلمح إلى أنه لم يكن من تعليمه صلى الله عليه وسلم إياهم , ولم ينتبه – والله أعلم – إلى ذلك فهم منهم أولاً , وأنه صلى الله عليه وسلم قد أقرهم عليه ثانياً , وذلك كاف عند أهل السنة في إثبات شرعية ذلك , لأن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب , وهم القوم لا يشقى متبع سبيلهم.
الثالثة: في الحديث الأول معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم , وهي رؤيته صلى الله عليه وسلم من ورائه , ولكن ينبغي أن يعلم أنها خاصة في حالة كونه صلى الله عليه وسلم في الصلاة , إذ لم يرد في شئ من السنة أنه كان يرى كذلك خارج الصلاة أيضاً , والله أعلم.
الرابعة: في الحديثين دليل واضح على أمر لا يعلمه كثير من الناس , وأن كان صار معروفاً في علم النفس , وهو أن فساد الظاهر يؤثر في فساد الباطن , والعكس بالعكس , وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة , لعلنا نتعرض لجمعها وتخريجها في مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى.
الخامسة: أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن: (قد قامت الصلاة) بدعة , لمخالفتها للسنة الصحيحة , كما يدل على ذلك هذان الحديثان , لا سيما الأول منهما , فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاة واجباً ينبغي عليه القيام به , وهو أمر الناس بالتسوية , مذكراً لهم بها , فإنه مسؤول عنهم: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ......... ).
من فضل الأذان
41 - (يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةِ بْجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ).
الشظية: قطعة من رأس الجبل مرتفعة.
وفي الحديث من الفقه استحباب الأذان لمن يصلي وحده , وبذلك ترجم له النسائي , وقد جاء الأمر به وبالإقامة في بعض طرق حديث المسئ صلاته , فلا ينبغي التساهل بهما.
42 - (مَنْ أَذَّنَ اثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً و بإِقَامَةٍ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً).
وفي هذا الحديث فضل ظاهر للمؤذن المثابر على أذانه هذه المدة المذكورة فيه , ولا يخف أن ذلك مشروط بمن أذن خالصاً لوجه الله تعالى , لا يبتغي من ورائه رزقاً ولا رياء ولا سمعة , للأدلة الكثيرة الثابتة في الكتاب والسنة , التي تفيد أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له.
راجع كتاب الرياء في أول (الترغيب والترهيب) للمنذري.
وقد ثبت أن رجلاً جاء إلى ابن عمر , فقال إني أحبك في الله ,قال فاشهد علي أني أبغضك في الله , قال: ولم؟ قال: لأنك تلحن في أذانك , وتأخذ عليه أجراً.أخرجه الطبراني في (المعجم الكبير) (12/ 264/ 13059) وغيره.
وإن مما يؤسف له حقاً أن هذه العبادة العظيمة , والشعيرة الإسلامية , قد انصرف أكثر علماء المسلمين عنها في بلادنا , فلا تكاد ترى أحداً منهم يؤذن في مسجد ما , إلا ما شاء الله , بل ربما خجلوا من القيام بها , بينما تراهم يتهافتون على الإمامة بل ويتخاصمون , فإلى الله المشتكى من غربة هذا الزمان.
لا تدرك صلاة الفجر والعصر إلا بإدراك السجدة الأولى
66 - (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ [أَوَّلَ] سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ [أَوَّلَ] سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ).
وإنما آثرت الكلام على هذه الطريق , لورود الزيادتين المذكورتين فيها , فإنهما تحددان بدقة المعنى المراد من لفظة (الركعة) , الواردة في طرق الحديث , وهو إدراك الركوع و السجدة الأولى معاً , فمن لم يدرك السجدة , لم يدرك الركعة , ومن لم يدرك الركعة , لم يدرك الصلاة.
ومن ذلك يتبين أن الحديث يعطينا فوائد هامة:
¥