2 - عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكع , فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع , كبر فركع , ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف.
3 - عن زيد بن وهب قال: خرجت مع عبدالله – يعني ابن مسعود – من داره إلى المسجد , فلما توسطنا المسجد , ركع الإمام , فكبر عبدالله وركع وركعت معه , ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم , فلما قضى الإمام الصلاة , قمت وأنا أرى أني لم أدرك , فأخذ عبدالله بيدي وأجلسني , ثم قال: أنك قد أدركت.
4 - عن عثمان بن الأسود قال: دخلت أنا وعبدالله بن تميم المسجد , فركع الإمام , فركعت أنا وهو ومشينا راكعين حتى دخلنا الصف , فلما قضينا الصلاة , قال لي عمرو: الذي صنعت آنفاَ ممن سمعته؟ قلت من مجاهد , قال: قد رأيت ابن الزبير فعله.
والآثار في ذلك كثيرة , فمن شاء الزيادة , فليراجع المصنفين.
وهذه الآثار تدل على شيء آخر غير ما دل الحديث عليه , وهو أن من أدرك الركوع من الإمام , فقد أدرك الركعة , وقد ثبت ذلك من قول ابن مسعود وابن عمر بإسنادين صحيحين عنهما , وقد خرجتهما في إرواء الغليل , وفيه حديث حسن مرفوع عن أبي هريرة خرجته أيضاً هناك , فلا تغتر بنشرة تخالفه.
وأما ما رواه البخاري في جزء القراءة عن معقل بن مالك قال: ثنا أبو عوانة عن محمد بن إسحاق عن عبدالرحمن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال (إذا أدركت القوم ركوعاً , لم تعتد بتلك الركعة) , فإنه مع مخالفته لتلك الآثار ضعيف الإسناد , من أجل معقل هذا فأنه لم يوثقه غير أبن حبان.
نعم رواه البخاري من طريق أخرى عن ابن إسحاق قال: حدثني الأعرج به لكنه بلفظ: (لا يجزيك إلا أن تدرك الإمام قائماً) , وهذا إسناد حسن , وهذا لا يخالف الآثار المتقدمة , بل يوافقها في الظاهر , إلا أنه يشترط إدراك الإمام قائماً , وهذا من عند أبي هريرة , ولا نرى له وجهاً , والذين خالفوه أفقه منه وأكثر , ورضي الله عنهم جميعاً.
فإن قيل: هناك حديث آخر صحيح يخالف بظاهره هذا الحديث وهو:
230 - (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ).
رواه أبوداود , والطحاوي , وأحمد , والبيهقي , وابن حزم من حديث أَبَي بَكْرَةَ: أنه جَاءَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ أَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ أَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فذكره).
والقصد من ذكره هنا أن ظاهره يدل على أنه لا يجوز الركوع دون الصف ثم المشي إليه , على خلاف ما دل عليه الحديث السابق , فكيف التوفيق بينهما؟
فأقول: إن هذا الحديث لا يدل على ما ذكر إلا بطريق الاستنباط لا النص , فإن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تعد) , يحتمل أنه نهاه عن كل ما ثبت أنه فعله في هذه الحادثة , وقد تبين لنا بعد التتبع أنها تتضمن ثلاثة أمور:
الأول: اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط.
الثاني: إسراعه في المشي , كما في رواية لآحمد من طريق أخرى عن أَبِي بَكْرَةَ أنه: جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ نَعْلِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ يَحْضُرُ [أي يعدو] يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ الرَّكْعَةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ السَّاعِي قَالَ أَبُو بَكْرَةَ أَنَا قَالَ: (فذكره) , وأسناده حسن في المتابعات , وقد رواه أبن السكن في صحيحه نحوه , وفيه قوله: (ان انطلقت أسعى ... ) , وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (من الساعي ... )، ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأول بلفظ (جئت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع , وقد حفزني النفس , فركعت دون الصف ... ) الحديث وأسناده صحيح , فإن قوله: (حفزني النفس) , معناه: اشتد، من الحفز وهو الحث والإعجال , وذلك كناية عن العدو.
الثالث: ركوعه دون الصف , ثم مشيه إليه.
¥