قال الصنعاني: (قلت: وكأنه مبني على أن لفظ: [ولاتعد] بضم المثناة الفوقية من الإعادة , أي: زادك الله حرصاً على طلب الخير , ولا تعد صلاتك , فإنها صحيحة , وروي بسكون العين المهملة من العدو , وتؤيده رواية ابن السكن من حديث أبي بكرة [ثم ساقها , وقد سبق نحوها من رواية أحمد , مع الإشارة إلى رواية ابن السكن هذه , ثم قال] والأقرب أن رواية: [ولاتعد] , من العود , أي: لا تعد ساعياً إلى الدخول قبل وصولك الصف , فإنه ليس في الكلام ما يشير بفساد صلاته حتى يفتيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن لا يعيدها , بل قوله: [زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا] , يشعر بإجزائها , أو: [لاتعد] , من [العدو]).
قلت: لو صح هذا اللفظ لكانت دلالة الحديث حينئذ خاصة في النهي عن الإسراع , ولما دخل فيه الركوع خارج الصف , ولم يوجد بالتالي أي تعارض بينه وبين حديث ابن الزبير , ولكن الظاهر أن هذا اللفظ لم يثبت فقد وقع في صحيح البخاري وغيره باللفظ المشهور: [لا تعد].
قال الحافظ في الفتح: (ضبطناه في جميع الرويات بفتح أوله وضم العين من العود).
ثم ذكر هذا اللفظ , ولكنه رجح ما في البخاري , فراجعه إن شئت.
ويتلخص مما تقدم أن هذا النهي لا يشمل الاعتداد بالركعة ولا الركوع دون الصف , وإنما هو خاص بالإسراع , لمنافاته للسكينة والوقار , كما تقدم التصريح بذلك من حديث أبي هريرة , وبهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: (قوله: [لاتعد] يشبه قوله: [لا تأتوا الصلاة تسعون]).
فإن قيل قد ورد ما يؤيد شمول الحديث للأسراع , ويخالف حديث ابن الزبير صراحة وهو حديث أبي هريرة مرفوعا: (إذا أتى أحدكم الصلاة , فلا يركع دون الصف , حتى يأخذ مكانه من الصف).
قلنا لكنه حديث معلول بعلة خفية , وليس هذا مكان بيانها فراجع سلسلة الأحاديث الضعيفة رقم 981.
ثم أن الحديث ترجم له أبن خزيمة بقوله: (باب الرخصة في ركوع المأموم قبل اتصاله بالصف ودبيبه راكعاً حتي يتصل بالصف في ركوعه).
ثم وجدت ما يؤيد هذه الترجمة من قول راوي الحديث نفسه , أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه , كما يؤكد أن النهي فيه: [لاتعد] , لا يعني الركوع دون الصف , والمشي إليه , ولا يشمل الاعتداد بالركعة , فقد روى علي بن حجر في حديثه , حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني: حدثنا حميد , عن القاسم بن ربيعة , عن أبي بكرة – رجل كانت له صحبة – أنه (كان يخرج من بيته فيجد الناس قد ركعوا , فيركع معهم , ثم يدرج راكعاً حتى يدخل في الصف و ثم يعتد بها) , قلت وهذا إسناد صحيح , وفيه حجة قوية أن المقصود بالنهي إنما هو الإسراع في المشي , لأن راوي الحديث أدرى بمرويه من غيره , ولا سيما إذا كان هو المخاطب بالنهي , فخذها , فإنها عزيزة قد لا تجدها في المطولات من كتب الحديث والتخريج وبالله التوفيق.
سنة الجمعة والمغرب القبليتان
232 - (ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان).
أخرجه عباس الترقفي , وابن نصر , والروياني , وابن حبان , والطبراني , وابن عدي , والدارقطني , من طريقين عن ثابت بن عجلان عن سليم بن عامر عن عبدالله بن الزبير مرفوعاً.
وقد استدل بالحديث بعض المتأخرين على مشروعية صلاة سنة الجمعة القبلية , وهو استدلال باطل , لأنه قد ثبت في البخاري وغيره أنه لم يكن في عهد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الجمعة سوى الأذان الأول والإقامة , وبينهما الخطبة , كما فصلته في رسالتي الأجوبة النافعة , ولذلك قال البوصيري في الزوائد وقد ذكر حديث عبدالله هذا , وأنه أحسن ما يستدل به لسنة الجمعة المزعومة قال: (وهذا متعذر في صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه كان بين الأذان والإقامة الخطبة , فلا صلاة حينئذ بينهما).
وكل ما ورد من الأحاديث في صلاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سنة الجمعة القبلية لا يصح منها شئ البتة , وبعضها أشد ضعفاً من بعض , كما بينه الزيلعي في نصب الراية , وابن حجر في الفتح , وغيرهما , وتكلمت على بعضها في الرسالة المشار إليها , وفي سلسلة الأحاديث الضعيفة.
¥