والحق أن الحديث إنما يدل على مشروعية الصلاة بين يدي كل صلاة مكتوبة ثبت أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفعل ذلك أو أمر به أو أقره , كصلاة المغرب , فقد صح فيها الأمر والإقرار , وفي ثبوت فعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نظر , كما يأتي.
أما الأمر , فهو في حديث صريح من رواية عبدالله المزني: أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى قبل المغرب ركعتين , ثم قال:
233 - (صلوا قبل المغرب ركعتين. ثم قال في الثالثة: لمن شاء؛ خاف أن يحسبها الناس سنة).
أخرجه ابن نصر في قيام الليل: حدثني عبدالوارث بن عبدالصمد بن عبدالوارث بن سعيد: ثني أبي: ثنا حسين عن ابن بريدة أن عبدالله بن مغفل المزني رضي الله عنه حدثه به.
فهذا الحديث صحيح دون الفعل , فهو شاذ كما كنت حققته في الضعيفة , ثم في تمام المنة.
وفي هذا الحديث دليل على أن أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الوجوب حتى يقوم دليل الإباحة , وكذلك نهيه على التحريم إلا ما يعرف إباحته , كذا في شرح السنة للبغوي.
ومعنى قوله: قبل المغرب , أي صلاة المغرب بعد غروب الشمس , فهو في ذلك كالحديث الذي قبله , وبهذا ترجم له ابن حبان , وبه عمل كبار الأصحاب الكرام , كما في الحديث التالي.
وأما تقريره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهاتين الركعتين , فهو في الحديث الآتي:
234 - (كان المؤذن يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة المغرب، فيبتدر لباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري؛ يصلون الركعتين قبل المغرب، حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يصلون، [فيجيء الغريب فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها]، [وكان بين الأذان والإقامة يسيرا]).
وفي هذا الحديث نص صريح على مشروعية الركعتين قبل صلاة المغرب , لتسابق كبار الصحابة عليهما , وإقرار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم على ذلك , ويؤيده عموم الحديثين قبله , وإلى استحبابهما ذهب الإمام أحمد وإسحاق وأصحاب الحديث , ومن خالفهم – كالحنفية وغيرهم – لا حجة لديهم تستحق النظر فيها , سوى ما روى شعبة عن أبي شعيب عن طاوس قال: (سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب؟ فقال: ما رأيت أحداً على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصليهما) , والقلب لا يطمئن لصحة هذا الأثر عن ابن عمر , وقد أشار الحافظ لتضعيفه , فإن صح فرواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه كما قال البيهقي ثم الحافظ وغيرهما.
ويؤيده أن ابن النصر روى (أن رجلاً سأل ابن عمر فقال: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة , قال: من الذين يحافظون على ركعتي الضحي؟ فقال: وأنتم تحافظون على الركعتين قبل المغرب؟ فقال ابن عمر: كنا نحدث أن أبواب السماء تفتح عند كل أذان).
قلت: فهذا نص من ابن عمر على مشروعية الركعتين , على خلاف ما أفاده ذلك الحديث الضعيف عنه , ولكن هذا النص قد حذف المقريزي إسناده كما هو الغالب عليه في كتاب قيام الليل , فلم يتسن لي الحكم عليه بشئ من الصحة أو الضعف.
ومن الطرايف أن يرد بعض المقلدين هذه الدلالات الصريحة على مشروعية الركعتين قبل المغرب , فلا يقول بذلك , ثم يذهب إلى سنية صلاة السنة القبلية يوم الجمعة , ويستدل عليه بحديث ابن الزبير وعبدالله بن مغفل , يستدل بعمومها , مع أن هذا الدليل نفسه يدل أيضاً على ما نفاه من مشروعية الركعتين , مع وجود الفارق الكبير بين المسألتين , فالأولى قد تأيدت بجريان العمل بها في عهده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإقراره , وبأمره الخاص بها , بخلاف الأخرى , فإنها لم تتأيد بشئ من ذلك , بل ثبت أنه لم يكن هناك مكان لها يومئذ , فهل من معتبر؟
جواز الصلاة بعد العصر إذا كانت الشمس مرتفعة
314 - (لا تصلوا عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها؛ فإنها تطلع وتغرب على قرن شيطان، وصلوا بين ذلك ما شئتم).
وللحديث شاهد من حديث علي مرفوعاً بلفظ: (لا تصلوا بعد العصر , إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة) , وإسناده صحيح.
¥