وأما حمله على تسليم غير المصلي على المصلي , فليس بصواب , لثبوت تسليم الصحابة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غيرما حديث واحد , دون إنكار منه عليهم , بل أيدهم على ذلك بأن رد السلام عليه بالإشارة , من ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: (خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قُبَاءَ يُصَلِّي فِيهِ قَالَ فَجَاءَتْهُ الْأَنْصَارُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ فَقُلْتُ لِبِلَالٍ كَيْفَ رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ يَقُولُ هَكَذَا وَبَسَطَ كَفَّهُ وَبَسَطَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ كَفَّهُ وَجَعَلَ بَطْنَهُ أَسْفَلَ وَجَعَلَ ظَهْرَهُ إِلَى فَوْقٍ) , أخرجه أبوداود وغيره وهو حديث صحيح.
وقد احتج به الإمام أحمد نفسه , وذهب إلى العمل به , فقال إسحاق بن منصور المروزي في المسائل: (قلت: تسلم على القوم وهم في الصلاة؟ قال نعم , فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر: كيف كان يرد؟ قال: كان يشير).
تارك الصلاة فاسق لا تقبل له شهادة ويخشى عليه سوء الخاتمة
333 - (إن للإسلام صوى ومنارا كمنار الطريق؛ منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به شيئا، وإقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على القوم إذا مررت بهم فمن ترك من ذلك شيئا؛ فقد ترك سهما من الإسلام، ومن تركهن [كلهن]، فقد ولى الإسلام ظهره).
الصوى: جمع صوة , وهي أعلام من حجارة منصوبة في الفيافي والمفازة المجهولة , يستدل بها على الطريق وعلى طرفيها , أراد أن للإسلام طرائق وأعلاماً يهتدى بها.
كذا في لسان العرب , عن أبي عمرو بن العلاء.
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد أن ذكر بعد الإيمان أسهما من الإسلام كالصلاة والزكاة: (فمن ترك من ذلك شيئا؛ فقد ترك سهما من الإسلام، ومن تركهن كلهن، فقد ولى الإسلام ظهره).
أقول: فهذا نص صريح في أن المسلم لا يخرج من الإسلام بترك شئ من أسهمه ومنها الصلاة , فحسب التارك أنه فاسق لا تقبل له شهادة , ويخشى عليه سوء الخاتمة , وقد تقدم في بحث مفصل في حكم تارك الصلاة , وهو من الأدلة القاطعة على ما ذكرنا , ولذلك حاول بعضهم أن يتنصل من دلالته بمحاولة تضعيفه , وهيهات فحديث صحيح بالحجة والبرهان.
النهي عن الصلاة بين السواري
335 – (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا).
قلت: وهذا الحديث نص صريح في ترك الصف بين السواري، وأن الواجب أن يتقدم أو يتأخر، إلا عند الاضطرار؛ كما وقع لهم.
وقد روى ابن القاسم في " المدونة " (1/ 106)، والبيهقي (3/ 104) من
طريق أبي إسحاق عن معدي كرب عن ابن مسعود أنه قال: (لا تصفوا بين السواري).
وقال البيهقي: (وهذا ـ والله أعلم ـ لأن الاسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف).
وقال مالك: (لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد).
وفي " المغني " لابن قدامة (2/ 220): (لا يكره للإمام أن يقف بين السواري، ويكره للمأمومين؛ لأنها تقطع صفوفهم، وكرهه ابن مسعود والنخعي، وروي عن حذيفة وابن عباس، ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر؛ لأنه لا دليل على المنع، ولنا ما روي عن معاوية ابن قرة. . . ولأنها تقطع الصف، فإن كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين؛ لم يكره؛ لأنه لا ينقطع بها).
وفي "فتح الباري" (1/ 477): (قال المحب الطبري: كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد في ذلك، ومحل الكراهة عند عدم الضيق، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف، أو لأنه موضع النعال.انتهى. وقال القرطبي: روي في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين).
¥