ولقد سمعت منذ أسابيع معنى هذا من أحد كبار مشايخ الأزهر في ندوة تلفزونية , كان يتكلم فيها عن الضمان الاجتماعي في الإسلام , ومما ذكره أن الاتحاد القومي في القاهرة سيقوم بجمع الزكاة من جميع أغنياء المواطنين , وتوزيعها على فقرائهم , فقام أحد الحاضرين أمامه في الندوة , وسأله عن المستند في جواز ذلك , فقال: لما عقدنا جلسات الحلقات الاجتماعية , اتخذنا في بعض جلساتها قراراً بجواز ذلك اعتماداً على مذهب من المذاهب الإسلاميه , وهو المذهب الشيعي , وأنا أظن أنه يعني المذهب الزيدي.
وهنا موضع العبرة , لقد أعرض هذا الشيخ ومن رافقه في تلك الجلسة عن دلالة الكتاب والسنة واتفاق السلف على أن الزكاة خاصة بالمؤمنين , واعتمدوا في خلافهم على المذهب الزيدي , وهل يدري القارئ الكريم ما هو السبب في ذلك؟ ليس هو إلا موافقة بعض الحكام على سياستهم الاجتماعية والاقتصادية , وليتها كانت على منهج إسلامي , إذن لهان الأمر بعض الشئ في هذا الخطأ الجزئئ , ولكنه منهج غير أسلامي , بل هو قائم على تقليد بعض الأوربيين الذين لا دين لهم , والإعراض عن الاستفادة من شريعة الله تعالى التي أنزلها على قلب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لتكون نوراً وهداية للناس في كل زمان ومكان.
فإلى الله المشتكى من علماء السوء والرسوم , الذين يؤيدون الحكام الجائرين بفتاويهم المنحرفة عن جادة الإسلام وسبيل المسلمين , والله عز وجل يقول: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء115.
هذا وفي الحديث قاعدة فقهية معروفة , وهي أن زكاة الزرع تختلف باختلاف المؤنة والكلفة عليه , فإن كان يسقى بماء السماء والعيون والأنهار , فزكاته العشر , وإن كان يسقى بالدلاء والنواضح الارتوازية ونحوها , فزكاته نصف العشر.
ولا تجب هذه الزكاة في كل ما تنتجه الأرض , ولو كان قليلاً , بل ذلك مقيد بنصاب معروف في السنة , وفي أحاديث معروفة.
كتاب الصيام
فضل المفطر على الصائم في السفر
85 - (ارْحَلُوا لِصَاحِبَيْكُمْ اعْمَلُوا لِصَاحِبَيْكُمْ ادنوا فكلا).
رواه أبوبكر بن أبي شيبة في (المصنف) والفريابي في (الصيام) عنه وعن أخيه عثمان بن أبي شيبة , قالا ثنا عمر بن سعد أبو داود عن سفيان عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة , قال:
(أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ وهو بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَدْنِوا فَكُلَا فَقَالَا إِنَّا صَائِمَانِ فَقَالَ ارْحَلُوا لِصَاحِبَيْكُمْ) , الحديث.
ارْحَلُوا لِصَاحِبَيْكُمْ أي: شدوا الرحل لهما على البعير.
مَرِّ الظَّهْرَانِ: بفتح الميم وتشديد الراء: موضع بقرب مكة , (النهاية).
وكذا أخرجه النسائي , وابن خزيمة , وابن حبان , وقال ابن خزيمة: (فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار).
والغرض من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ارْحَلُوا لِصَاحِبَيْكُمْ .... ) , الإنكار , وبيان أن الأفضل أن يفطرا , ولا يحوجا الناس إلى خدمتهما.
ويبين ذلك ماروى الفريابي (67/ 1) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (لا تصم في السفر , فإنهم إذا أكلوا طعاماً قالوا: ارفعوا للصائم , وإذا عملوا عملاً قالوا: اكفلوا للصائم , فيذهبوا بأجرك).
قلت: ففي الحديث توجيه كريم إلى خلق قويم , وهو الاعتماد على النفس , وترك التواكل على الغير أو حملهم على خدمته , ولو لسبب مشروع كالصيام.
أفليس في الحديث إذن رد واضح على أولئك الذين يستغلون علمهم , فيحملون الناس على التسارع في خدمتهم , حتى في حمل نعالهم؟.
ولئن قال بعضهم: لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يخدمون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحسن خدمة , حتى كان فيهم من يحمل نعليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وهو عبد الله بن مسعود.
فجوابنا: نعم , ولكن هل احتجاجهم بهذا لأنفسهم إلا تزكية منهم لها , واعتراف بأنهم ينضرون إليها على أنهم ورثته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في العلم حتى يصح لهم هذا القياس؟.
¥