وآيم الله , لو كان لديهم نص على أنهم الورثة , لم يجز لهم هذا القياس , فهؤلاء أصحابه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشهود لهم بالخيرية – وخاصة منهم العشرة المبشرون بالجنة – فقد كانوا خدام أنفسهم , ولم يكن واحد منهم يخدم من غيره عشر معشار ما يخدم أولئك المعنيون من تلامذتهم ومريديهم , فكيف وهم لا نص عندهم بذلك , ولذلك فإني أقول: إن هذا القياس فاسد الاعتبار من أصله , هدانا الله تعالى جميعاً سبيل التواضع والرشاد.
جواز إفطار المسافر في رمضان
191 - (كَانَ يَصُومُ فِي السَّفَرِ وَيُفْطِرُ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لَا يَدَعُهُمَا يَقُولُ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِمَا يَعْنِي الْفَرِيضَةَ).
أخرجه الطحاوي , وأحمد , والبزار , من طريق حامد عن إبراهيم عن علقمة عن أبن مسعود مرفوعا.
قلت وهذا سند جيد وهو علي شرط مسلم , والحديث صحيح قطعا بشقيه: أما قصر الصلاة , ففيه أحاديث كثيرة مشهورة عن جماعة من الصحابة فلا نصيل الكلام بذكرها، وأما الصوم في السفر , فقد بدرت من الصنعاني في سبل السلام كلمة نفى فيها أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم صام في السفر فرضاً فقال: (ثبت عنه صلي الله عليه وسلم أنه لم يتم رباعية في سفر , ولا صام فيه فرضا).
ولهذا توجهة الهمة إلى ذكر بعض الأحاديث التي تدل على خطأ النفي المذكور فأقول: ورد صومه صلي الله عليه وسلم في السفر عن جماعة من الصحابة، منهم عبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عباس، وأنس بن مالك , وابوالدرداء.
1 - أما حديث ابن مسعود فهو هذا.
2 - وأما حديث ابن عباس فقال أبوداود الطيالسي حدثنا سليمان عن سماك عن عكرمة عن ابن مسعود مرفوعا بالشطر الأول منه وسنده حسن.
3 - وأما حديث أنس فرواه عنه زياد النميري: حدثني أنس بن مالك قال: (وافق رسول الله صلي الله عليه وسلم رمضان في سفره فصامه , ووفقه رمضان في سفر فأفطره، رواه البيهقي، وزياد هذا هو أبن عبدالله النميري البصري، ضعيف، يكتب حديثه للشواهد.
4 - وأما حديث أبي الدرداء فيرويه الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ إِسْمَعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ)، أخرجه مسلم.
192 - (هِيَ رُخْصَةٌ [يعني: الفطر في السفر] مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ).
رواه مسلم , والنسائي , والبيهقي , من طريق أَبِي مُرَاوِحٍ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ بِي قُوَّةً عَلَى الصِّيَامِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فذكره).
قال مجد الدين ابن تيمية في المنتقى: (وهو قوي الدلالة على فضلية الفطر).
قلت: ووجه الدلالة قوله في الصائم: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) , أي: لا إثم عليه فإنه يشعر بمرجوحية الصيام كما هو ظاهر , لا سيما مع مقابلته بقوله في الفطر (فحسن) , لكن هذا الظاهر غير مراد عندي , والله أعلم , وذلك لأن رفع الجناح في نص ما عن أمر ما لا يدل إلا على أنه يجوز فعله وأنه لا حرج على فاعله , وأما هل هذا الفعل مما يثاب فاعله أو لا , فشي آخر , لا يمكن أخذه من النص ذاته , بل من نصوص أخرى خارجة عنه , وهذا شئ معروف عند تتبع الأمور التي ورد رفع الجناح عن فاعلها , وهي علي قسمين:
أ- قسم منها يراد بها رفع الحرج فقط , مع استواء الفعل والترك , وهذا هو الغالب , ومن أمثلته قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
193 - (خَمْسٌ مِنْ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَالْفَأْرَة وَالْعَقْرَبُ ُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ).
¥